قراءة كتاب قراءة حديثة في كتاب قديم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قراءة حديثة في كتاب قديم

قراءة حديثة في كتاب قديم

 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 2

1- مصر الاشتراكية

لم تصل مصر الى " اشتراكيتها " عبر علاقات فلسفية أو نضالات حزبية أو ثورة شعبية و إنما من خلال تجارب ثورة يوليو لتحقيق أهدافها ( الإنسانية ) الست وإرساء أسس مجتمع جديد يتناسب مع الواقع المتغير لنهاية القرن العشرين ..

فعندما حاول قادة الثورة تحرير المواطن من (عبودية العوز ) بإيجاد عمل كريم لكل قادر أو معاش لغير القادر ... وعندما كان عليهم ضمان توفر السلع الضرورية بالسوق بأسعار مناسبة... وعندما حاولوا حماية الجنيه من تقلبات السوق الرأسمالية وخلق اقتصاد وطنى متحرر من النفوذ الأجنبى ... اصطدموا بقوى ( الثورة المضادة ) فى الداخل والخارج .. واكتشفوا أن عليهم فى سبيل ضمان حرية وطنهم مساندة الثورات الوليدة والانضمام الى مجموعة عدم الانحياز و إحياء القومية العربية والوحدة الأفريقية والجامعة الإسلامية وخلق علاقات متوازنة مع دول المجموعة الاشتراكية وقوى السلام العالمى ومقاومة الاستعمار ... و أن عليهم كذلك اتباع منهج الاشتراكية كأساس لإدارة اقتصاد الدولة .

وبالتالى لم تكن قوانين يوليو 1961 هى بداية " الاشتراكية " فى مصر ولكنها كانت الخطوة النهائية لفرض سيطرة أجهزة الدولة على مجمل الاقتصاد القومى وتوجيهه وتقليص نفوذ الإقطاع والرأسمالية ومنع ظهورهما ثانيا وما تبع ذلك من بث لوعى و تأصيل لقيم أخلاقية جديدة تتناسب مع الواقع المستهدف .

وتغير شكل المجتمع بعد التأميم لقد أصبحت الدولة هى المنتج الرئيسى سواء كان ذلك فى الزراعة أو الصناعة أو المقاولات أو التجارة أو الخدمات ... فى الفن أو الثقافة أو السينما أو الكتاب أو المسرح أو الإذاعة والتليفزيون .. أو بمعنى أدق فى مجمل أنشطة الحياة الإنسانية .

لقد ألزمت الدولة نفسها بإيجاد عمل لكل مواطن ومسكن وطعام وملبس وفرصة تعليم ووسيلة ثقافة ورعاية صحية له... وفى حمايته من قوى العدوان الداخلية والخارجية.

فى تلك الأيام بدأ الدعم للسلع الرئيسية وبناء مئات المدارس والوحدات الصحية والمشروعات الإنتاجية ... وتم إنشاء مسارح الحكيم والقومي والطليعة والعرائس والأوركسترا السيمفوني وفرق الرقص الشعبى والباليه والدار القومية للطباعة والنشر ... وتقرر منح جوائز الدولة فى العلوم والفنون والآداب .. وانعكس ذلك على الأغنية والفيلم والمسرحية والكتاب والشعارات التى تمجد العمل وتعتبره حق وواجب وحياه والتى تتغنى بالاشتراكية والديموقراطية وتعتبرهما جناحا الحرية .. وتدعو للبناء والتصنيع وزراعة الأرض البور والكفاية والعدل .

ونتيجة لذلك تم طرد الاستعمار مرتين وشمخ المصرى بدور بلده الرائد المؤيد للحريات ... و آمن المواطنون " عدا أعداء الثورة " على حياتهم ولقمة عيشهم وتعليمهم وصحتهم ومستقبلهم رغم سيطرة الدولة الكاملة على كل مداخل ومخارج الاقتصاد القومى .

فالزراعة التى كانت يسيطر عليها الإقطاع من خلال ملكيته لمعظم الأراضى الزراعية أصبحت الدولة بقوانين للإصلاح الزراعى 1952 وما تلاها وقوانين العلاقة بين المالك والمستأجر هى المسيطر الرئيسى عليها من خلال أجهزتها الممثلة فى وزارة الإصلاح الزراعى والجمعيات التعاونية التى تشرف على الملكيات الصغيرة المفتتة تحدد نوعية المحصول وطريقة تسويقه وسعره وتمويل زراعته .

والصناعة بعد تأميم ممتلكات الأجانب فى 1956 وتكوين بدايات القطاع العام ممثلة فى المؤسسة الاقتصادية سيطرت عليها الدولة فى محاولة لتحقيق حلمها الطموح " من الإبرة الى الصاروخ " فأنشأت شركات قطاع عام للسماد والأسمنت والحديد وصناعة السيارة والطائرة والصاروخ ... وطورت الشركات القائمة فى غزل ونسج القطن وصناعة القماش والسكر والزيت تاركة هامشا ضيقا للقطاع الخاص يتمثل فى مجموعة من الورش الصغيرة التى يشرف على منتجاتها ويحدد أسعارها أجهزة الرقابة الحكومية .

والمقاولات التى كان عليها عبء إنشاء مبانى خطة الصناعة الطموحة ومبانى الخدمات والدور الحكومية والإسكان وشبكات الطرق والمياه والمجارى والكهرباء بالإضافة الى السد العالى والوادى الجديد تم تجميعها بعد تأميمها فى مؤسسات حكومية رقابية تشرف عليها ... توجهها ... توزع الأعمال بينها ... كذلك تم إنشاء جهاز رقابى يتبع وزارة الإسكان مهمته السماح لمقاولى التخصص بالعمل ضمن إطار خطة الإنشاء ويتأكد من أن كل شركة لم يتجاوز حجم عملها كمقاول باطن لشركات القطاع العام أو الحكومة الحد الأقصى وهو خمسون ألف جنيه سنويا .

والتجارة الخارجية تم حصر نشاطها بالكامل فى شركات القطاع العام والجمعيات التعاونية فيما عدا بعض فروعها فتركت للقطاع الخاص تحت إشراف أجهزة مراقبة الأسعار ووزارة التموين .

والخدمات كانت الحكومة تقدم أغلبها ... جميع أنواع النقل... نقل المياه .. المجارى الكهرباء – الطاقة – التليفونات التعليم.. الصحة.. الثقافة... الإسكان.. مع السماح بهامش ضيق للقطاع الخاص تشرف عليه لجان حكومية لتحديد الإيجارات .

باختصار كان مجمل النشاط الاقتصادي والإنساني تتولاه الدولة والقطاع العام وما يتولاه القطاع الخاص كانت تشرف عليه ( وترشده ) طبقا لخطة مركزية تعدها وزارة التخطيط.

فإذا أضفنا لذلك قوانين الضرائب التصاعدية والرسوم الجمركية العالية الخاصة بحماية الصناعة المحلية وقيود تحويل العملة.. وعضوية مجالس إدارة الشركات لمثلى العمال ... و إقرارات الثروة وتحديد الحد الأقصى لمكافآت ورواتب أعضاء مجالس الإدارات بخمسة آلاف جنيه ... فكيف قام للرأسمالية " المستغلة " قائمة بعد ذلك !!

الصفحات