You are here

قياس الكتابة بنتائجها العملية

قياس الكتابة بنتائجها العملية

رغم جاذبية ما يُكتب من مقالات وآراء وأخبار في الفيس بوك وتويتر وغيرهما، تظل الكتابة الصحفية الورقية الأعمق تناغماً في الوجدان الانساني والأكثر جدوى في بناء الشخصية، وتكوين الثقافة الوطنية والفكرية، ولكن؛ هناك الكثير من المقالات التي تصدرها صحفنا اليومية والاسبوعية في مختلف المواضيع والاتجاهات، وإن كانت غايتها التبصر الانساني في شتى مناحي الحياة، إلا أن بعضها ما زال يأتي في صورة متكررة في المواجهة والحل، أو في طرح السؤال ومحاولة الاجابة عليه، وتلك المقالات بهذا القصور الفكري، هي جدل عقيم بين الواقع والمستقبل، أو بين الظروف والانسان القارئ، فالتقدم الانساني لن يبلغ غايته، حتى يستطيع هذا الجدل أن يكشف عن صيغ جديدة، أكثر ملاءمة وأشد فاعلية، وأنسب للحياة والانسان.
في بعض صحفنا هناك مقالات تتسم بالحكمة والتعقل، وتمتلك اعجابنا وإجلالنا، ومقالات يكون فيها الكُتَّاب منشغلين بالسؤال عن المصير العربي، ومتاهات ثورات الربيع فيه، ومقالات تستثير ضحكنا.. وهناك كُتَّاب يجرون وراء الإثارة، لا من فرط الحيوية فيها، بل من شدة حرصهم على المكاسب الاجتماعية أو المنافع المادية!
تلك هي أنماط الكُتَّاب في بعض صحفنا المحلية، ولعنلنا نسأل: عن سبب هذا التناقض والتباين في عقولهم هنا وهناك؟
وأول الأسئلة المطروحة عن تلك المقالات هو: كيفية قياس الكتابة بنتائجها العملية؟ وأعنى به؛ عملية النظر إلى القضايا أو الآراء والتعليقات التي يطرحها كُتَّاب الأعمدة اليومية أو الاسبوعية، فالمقياس الحق ينبغي أن يأتي بمقدار ما يحققه الهدف، الذي جاءت من أجله المقالات، لتكون أداة فاعلة بموضوعية وصدقية بعيداً عن نيران الانفعالات والاستخفاف بعقلية الآخرين، حيث أن العلاقة بين المقالات ونتائجها العملية، هي أدق ما يحدد معنى «المقال»، أما ان ينظر الى المقال، بغض النظر عما يؤدي إليه، فذلك هو موقف الكاتب المتأثر برغبته وهواه، لا بمنطق العقل وموازينه، وهو نفسه المراهق الذي تفور فيه العاطفة، فيميل معها حيث يميل، وبالتالي لا يقوى على الوقوف أما النقد الهادف لحظة، لأنه مجرد سفسطة وصف كلام!؟
وقياسه الكتابة الحقة بنتائجها العلمية، يعني النظرة الموضوعية، التي توائم بين الذات والموضوع حتى يتساويا، والذات هي اللسان إذ يتكلم، أو القلم إذ يكتب - فالكلام الذي لا واقع وراءه، ضرب من الكذب والخداع، أنه - بداهة - لا يغير من الواقع شيئاً، ولا يدافع عن المبادئ والقيم والقوانين - وفي يقيني أن هذه المواءمة بين الذات المتكلمة وظواهرها - العالم الخارجي واشيائه وكائناته، هي من أخص خصائص الكاتب الملتزم أو الواقعي أو العقلاني، الذي يعترض بايجابية عن الممارسات السلبية في المجتمع، وفي إحاطة اللثام عن مواقع الخلل في المحالات كافة، بهدف الاصلاح والتوجيه والتغيير.
فالكاتب - سواء أكان كاتب مقالة أو بحثاً، أو كان ناقداً أو شارحاً لفكرة، أو صاحب رأي - مطالب بالصدق والواقعية والإلتزام، ليتسق ظاهر لفظة مع باطن نفسه، وهو في كل الحالات مطالب ينشر الوعي والمعرفة والثقافة، وتأصيل جذورها ويمها الحضارية، ثم الانتقال بها من المحلية الى العالمية بمعناها الواسع.
أما الكاتب الذي يعيش القيم الزائفة، ولا يكتب إلا لنفسه، هو ينكر الواقع الجديد، وكتاباته تتسم بالسلبية، ولا يجسد اماني الوطنية والمستقبلية... هذا الطراز من الكُتَّاب يعيش متقوقعاً في وحدته، يحيا بمفرده ويختفي.
وفي هذا الإطار، نجد أن هناك كتابات تبعث على العجب، لما تتضمنه من آراء مضلة ومدخلات مضَّللة، تتناقض ومسيرتنا الديمقراطية ومنهجها العام.. إن اصحاب هذه الكتابات ينتهجون أسلوب الحذلقة والمداهنة، ولعل قراَّءنا الكرام قد اكتووا بنيرانهم مرات عديدة، للتناقض والتضاد الأليم فيما يكتبون.
في الجملة؛ أليس الأصل في كتابة المقالات، ان تحمل قيماً جديدة، لم نكن نعلمها من قبل؟ إن الكاتب الذي يعرض موضوعاته بشفافية متناهية، دون اللجوء إلى أساليب التورية والتشكيك، هو الكاتب الذي يستحق الثناء والتقدير، ويستحق أكثر عندما يعترض على الأفكار والقيم البالية في المجتمع، وينتقد بموضوعية سياسة الحكومة، عند إنحرافها عن جادة الحق في مضامين كتاب التكليف السامي..

Article Publisher: 
eKtab

أخر الأخبار

يسرقون الصيف من صندوق الملابس نزار أبو ناصر

يسرقون الصيف من صندوق الملابس

نزار أبو ناصر

 

صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2021 ديوان " يسرقون الصيف من صندوق الملابس" للشاعر نزار أبو ناصر.

 منذ أعماله الأولى والشاعر نزار أبوناصر يطرق باب...

تاريخ فلسطين الحديث د. عبد الوهاب الكيالي

تاريخ فلسطين الحديث

د. عبد الوهاب الكيالي

 

صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2021 كتاب " تاريخ فلسطين الحديث" - تأليف د. عبد الوهاب الكيالي . هذه هي الطبعة الثانية عشرة من الدراسة الجادة والشاملة لتاريخ فلسطين...

لأول مرة كتب عربية وانجليزية رقمية في مكان واحد وفي مكتبة واحدة متاحة للجميع

تعلن شركة ektab عن توفيرها 70,000 كتاب باللغة الانجليزية لمستخدميها مجاناً عبر موقعها الالكتروني www.ektab.com

اطلقت شركة  “اي كتاب” 70,000 عنوانا باللغة الانجليزية من شتى...