"ويسهر الخلق".. موسوعة شعرية مصغَّرة

ميدل ايست أونلاين
بقلم: أحمد فضل شبلول

الشاعرة الكويتية سعدية مفرح اختارت سبعة وعشرين شاعرا عربيا من القدامى والمحدثين لتكتب عنهم في مجموعتها الأولى "ويسهر الخلق .. سير ومختارات من الشعراء العرب" والصادرة عن سلسلة "كتاب العربي" التي تصدرها مجلة العربي في 288 صفحة.
وتثبت الشاعرة على غلاف الكتاب أن هذه المختارات هي "المجموعة الأولى" بمعنى أننا في انتظار مجموعات لاحقة تصدرها سعدية مفرح لشعراء آخرين.
وعلى الرغم من أن هذه السير والمختارات قد قرأناها من قبل مفردة في أعداد سابقة من مجلة "العربي" منذ يناير 2006 إلا أننا عندما نعيد قراءتها جنبا إلى جنب نشعر أننا أمام موسوعة شعرية مصغرة، وأن كل شاعر له عالمه الشعري الخاص المختلف عن الشاعر الذي يجاوره في صفحات الكتاب، وأن الشاعرة لديها ذوقها الخاص لكل شاعر على حدة، وتفاعلها الحميم مع النصوص الشعرية المختارة.
هذا الشعور أو هذا الإحساس قد نفتقده عندما نطالع المقالة الشهرية "شاعر العدد" بالمجلة، لأن المقالة الشهرية قد يضيع الإحساس بها وسط الموضوعات الأخرى الدسمة وربما الأكثر إلحاحا التي تنشرها المجلة. ولكن ما أن يجتمع هؤلاء الشعراء في كتاب خاص بهم، إلا ونستعيد بهاءهم وفحولتهم من جديد، ونشعر بأهمية ما قدمته سعدية مفرح للحركة الشعرية العربية من رصد وتحليل وتبسيط واختيارات شعرية موفقة ودالة.
يقول د. سليمان العسكري رئيس تحرير سلسلة "كتاب العربي" إن الغاية من وراء هذه السلسلة (ويقصد سلسلة "ويسهر الخلق" وليس سلسلة "كتاب العربي") هي تجديد علاقة الألفة والحميمية بين القارئ العربي وبين الشعر العربي، استنادا إلى شخصيات منتخبة، بعد أن انفصمت هذه العلاقة أو كادت في الأزمنة المعاصرة.
ويضيف أن هذه المقالات ابتعدت عن تصنيف الشعراء في الخانات والتصنيفات الزمانية المعتادة مثل: جاهلي ـ إسلامي ـ حديث ـ معاصر. كما تبتعد عن تصنيف الشعراء وفق ترسيمات الحدود المكانية سواء إلى مشرق ومغرب أو شام ويمن أو إلى بدو وحضر.
ويؤكد العسكري في تقديمه للكتاب أن المرتكز هو إبراز الإنسان الشخص الشاعر نفسه، بطريقة لا تحشره داخل القوالب التحقيبية والمكانية الأكاديمية المعهودة المسبقة التجهيز.
ومعنى ذلك أن مفرح اعتمدت على التجربة الإنسانية والشعرية التي يتمتع بها كل شاعر قامت باختياره ضمن سلسلتها "ويسهر الخلق"، وما يدل على ذلك هو اختيار العنوان نفسه "ويسهر الخلق"، فأي تجربة إنسانية وأي شعرية يحملها هذا العنوان المنسوب إلى البيت الأشهر للمتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها ** ويسهر الخلق جراها ويختصم
إنه جبروت العبارة التي خلدها المتنبي كما ترى سعدية، والذي بدأت به سلسلة "ويسهر الخلق" مثلما بدأت به من قبل عندما تم تكليفها لكتابة زاوية "شاعر العدد" في مجلة "العربي".
تقول الشاعرة: "هكذا بدأت المهمة باختيار المتنبي لكتابة نبذة عن سيرة حياته وسيرورة شعره، كما أراهما، وهو الاختيار الأسهل لكل من يتصدى لمهمة كهذه المهمة، باعتباره الشاعر المجمع عليه تقريبا كأعظم شعراء العرب، وتتابعت بعد ذلك سلسلة الشعراء من كل المدارس الإبداعية والتيارات الفكرية والعصور التاريخية المختلفة.
وفي مقدمتها للكتاب تكشف الشاعرة عن أسرار اختيارها للشعراء، أو آلية هذا الاختيار على مدار الأعداد السابقة لمجلة "العربي" قبل أن ينتقل هؤلاء الشعراء المختارين إلى السكن في كتاب "ويسهر الخلق"، فتعترف أنها كانت تفضل اختيار شاعرا فلسطينيا ليكون شاعر العدد في شهر مايو من كل عام، تساوقا مع ذكرى النكبة الفلسطينية، وفي شهر فبراير تختار شاعرا كويتيا على اعتبار أن فبراير هو شهر الأعياد الوطنية في الكويت، أما في شهر رمضان المبارك فتختار في الغالب شاعرا ذا نزعة دينية في غالب نتاجه الشعري. وعدا ذلك، كان الاختيار يتم بطريقة عشوائية مع حرصها على التنوع التاريخي.
وعودة إلى الشعراء ومختاراتهم لنرى أن المتنبي يتقدم هذه القافلة من الشعراء فهو الشاعر الأكثر خلودا في تاريخ أمة قدر لها أن تكون أمة للشعر والبلاغة.
أما أحمد شوقي فهو أمير القوافي وخادمها على الرغم من أنه أبعد ما يكون عن عربي قح في الأصل والأرومة حيث ولد من أخلاط كردية شركسية يونانية، لكن النشأة المصرية وفرت له أن يكون عربيا خالص العروبة.
وعن الشاعر ابن زيدون تقول الشاعرة الكويتية أنه من شعراء العربية الكبار الذين احترقوا بنار السياسة وهم يتقلبون على جمر الشعر والهوى، فكان نموذجا مثاليا لصورة الشاعر التقليدية في زمان مضى حيث الشعر سبيل للحظوة لدى أهل الحكم وطريق المجد في خريطة الحياة ولكنه أيضا سبب في انهيار كل ذلك قبل الوصول الأخير.
أما جبران خليل جبران فهو همزة الوصل الجميلة بين الشرق والغرب في نقطة فاصلة من فواصل التاريخ المتعاقبة على هوامش عديدة من سوء الظن والفهم بين عالمين بديا مختلفين جدا بالرغم من أن منبعهما الإنساني واحد.
وعلى هذا المنوال تمضي مختارات سعدية مفرح، فنلتقي (في هذه المجموعة الأولى) بالشعراء: المعري الذي لم يجن على أحد، وعمر أبو ريشة شاعر العروبة والعذوبة، وعمر بن الفارض سلطان العاشقين، وحافظ إبراهيم شاعر النيل النبيل، وابوالقاسم الشابي وإرادة الحياة واستجابة القدر، والبوصيري والبردة .. نقطة على السطر، وأبوفراس الحمداني، وإبراهيم ناجي وأطلاله، وفهد العسكر .. شاعر اليقين في زمان الشك، وامرؤ القيس ملك الشعر وضلِّيل السياسة، وبشار بن برد والأذن تعشق قبل العين أحيانا، وعبدالله البردّوني، وعمر بن أبي ربيعة .. وهل يخفى القمر؟، وحسان بن ثابت المؤيد بروح القُدُس، وبشارة الخوري .. الأخطل الصغير شاعر الهوى والشباب، ومالك بن الريب يرثي نفسه.
ويمتد بنا اللقاء مع الشعراء الذين اختارتهم لنا سعدية مفرح لنصافح الشاعر الكويتي أحمد العدواني .. شاهد التحولات الصامت، والجواهري شاعر العرب، والعباس بن الأحنف .. الغزلي العفيف في زمان الخلاعة، ونزار قباني الذي جعل القصيدة رغيف خبز، وإبراهيم العريض الشاعر الذي تشظىّ أربع لغات، وجميل بثينة .. العذري الجميل، وأبو البقاء الرندي .. لمثل هذا يذوب القلب من كمد.
ولعلنا نلاحظ أنه لا توجد شاعرة عربية واحدة ضمن هذه الاختيارات أو ضمن هذه المجموعة الأولى من "ويسهر الخلق"، وبتصفحنا لشعراء المجموعة الثانية والمثبتة أسماؤهم في نهاية المجموعة الأولى (وعددهم ثلاثون) لم نجد سوى الخنساء .. دمعة القصيدة العربية، ولعلي أذكر شاعرتنا الجميلة سعدية مفرح بأسماء بعض الشاعرات العربيات قديما وحديثا لعلها تنظر إليهن بعين الرعاية في مجموعاتها القادمة من "ويسهر الخلق": ليلى الأخيلية، ولادة، فدوى طوقان، نازك الملائكة، ملك عبدالعزيز، وفاء وجدي، زليخة أبوريشة، عاتكة الخزرجي، لميعة عباس عمارة، سعاد الصباح، روضة الحاج، وغيرهن الكثيرات.