أنت هنا

قراءة كتاب فضاء الكون الشعري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فضاء الكون الشعري

فضاء الكون الشعري

حديث الشعر هو الحديث الأكثر حيوية ونشاطاً وغبطة وحلاوة ولذّة وجنوناً وإثارة وانفتاحاً وتشظيّاً وسحراً وغموضاً، في أيّ زمان ومكان وحدث ومصير وأفق وجهة، وحين يتخصّص الحديث ضمن تجربة نوعية خاصة لها تاريخها ضمن النشاط السيرذاتي فإن الأمور تأخذ حساسيتها على نحو

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
فضاء الرؤيا ورمزية الحلم
 
ـ الملامح الصوفية في ديوان ((أسفار الشجر)) ـ
 
د. شادان جميل
 
كلية اللغات / جامعة صلاح الدين
 
ــ مدخل نظري:
 
المفهوم الأدبي للرؤيا:
 
يمكن وصف الأدب على نحو عام بأنه كون آخر موازٍ للكون الإنساني ومكمّل له في الوقت نفسه، ويضاهي كذلك هذا العالم الواقعي ويوسّع حدوده ويستكمل صورته من حيث ((إن الأدب عالم مغاير))(1)، لا تعيش حيواته ومفرداته وصوره وإيقاعاته مثلما يعيش الإنسان، بل تتغاير مع حياة ومفردات وصور وإيقاعات الإنسان في كونها عالماً خيالياً من ورق، يتحلّى بقدرٍ عالٍ من حرية الحلم وسعته ورمزيته، ويدخل في فضاء الرؤيا بوصفه عالماً خيالياً تصورياً يعبّر عن تجربته، ويصله بحلمه، ويقوده إلى مناخ مختلف من الحركة والفعل والحياة.
 
لعلّ أول درجة من درجات مغايرة عالم الأدب لعالم الواقع هي اشتغاله على فضاء الرؤيا، إذ ((إن الرؤيا هي من طبيعة الأدب))(2)، وهي المحرّك الأساس لنقل الأدب من حدود الرؤية البصرية إلى فضاء غير محدود يتمثّل بالرؤيا، التي تحرّك اللغة والصورة والإيقاع في سياق تعبيري يتجاوز منطق التعبير السائد، لينفتح على سياق مجازي تنزاح فيه المفردات عن معناها المعجمي البسيط لترتقي إلى معانٍ رمزية، تحرّض القارىء على إقامة حوار ثقافي وفكري مع النص، من أجل إدراك طبيعة هذه الرؤيا، ومن ثمّ السعي إلى حلّ شفرة الرموز والتوصل إلى لذّة النص في إشكالية المعنى الأدبي.
 
من هذا المنطلق يمكننا وصف الرؤيا بأنها الجوهر الثقافي والفكري والجمالي للعملية الإبداعية، بمعنى أنّ ((الرؤيا بما هي تعميق لمحة أو تقديم نظرة شاملة وموقف من الحياة يفسّر الماضي ويشمل المستقبل، إنما هي تقديم نموذجي مثالي، بأفضل شكل جمالي، وبحدود الكمال))(3)، تنقل الحالة الإبداعية في النص من حدود التعبير الطبيعي عن الأشياء إلى فضاء التعبير المجازي الرؤيوي، الذي يجعل من الحالة الأدبية الكامنة في النص حالة مختلفة ومغايرة وصانعة للإدهاش والجمال واللذّة.
 
يتمخّض مفهوم الرؤيا عن جملة خصائص نوعية تدخل في المكوّنات الأساسية العميقة للنص الأدبي، ((فالتخيّل، والكلية، والأمثلة والنمذجة، والتأمل، والنظام (أي اكتشاف علة لوجود الأشياء أو نسق تسير عليه الأمور) من خصائص الرؤيا التي ترى الأمور بعين جديدة تسعى إلى الاندهاش والتعجّب تجاه الأمور المألوفة))(4)، وتمضي في رفع حساسية العمل الأدبي إلى أعلى مراحل الأدبية والفنية والفكرية.
 
إن مفهوم التجلّي في هذا السياق الذي يحيل على منطقة الرؤيا في اشتغالها النوعي داخل حدود العمل الأدبي، ((هو اللحظة التي يصير فيها ما كان يتفاعل في الخفاء من عناصر التجربة الفنية بادياً للعيان في الإدراك والتعبير معاً، إنه الحدس التعبيري الذي يتّخذ شكل صورة تقع بين المفهومات المجرّدة ومنطقة الشعور، لذلك فهو يحمل العنصر الذاتي في إطار المفهومات التي تتكوّن منها التجربة، ولهذا السبب أيضاً يحمل صورتي المفهوم والإدراك الحسّي في وقت واحد، وبالتالي فهو جوهر الرؤيا))(5)، إذ ترتفع الرؤيا إلى أعلى حالات القدرة على التخييل حيث تصل مرحلة التجلّي.
 
وعلى هذا فإن الرؤيا ((مصطلح يشير إضافة إلى دلالته الحلمية إلى المنظور الفكري والفلسفي ووجهة النظر))(6)، وبذلك يتسّع مفهومها ليشمل موقفاً من العالم وينفتح على حساسية تعبيرية عالية في النظر والإجراء والقراءة.

الصفحات