قراءة كتاب ثغرات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثغرات

ثغرات

كتاب "ثغرات" للكاتب اسماعيل الناشف، الصادر عن دار "راية للنشر" في حيفا، هو تجميع أعمال قصصية كتبها المؤلف في التسعينيات وتقدّمها الدار للقرّاء عملاً جديدًا متكاملاً لأحد أكثر الأسماء إشكاليةً على الصعيد الأدبي والأكاديمي في فلسطين، إسماعيل ناشف ابن النكسة م

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10
طفل
 
كرم زيتون. أشجاره. أوراق أشجاره. ثمار الزيتون. رائحة شجرة الزيتون كانت عرشي. تربّعتُ عليها صغيرًا. لا زلتُ. كرم الزيتون كان على التلّة بجانب بيتنا. الجذوع مليئة بالسنين. في كرم الزيتون بجانب بيتنا لا تجد جذعًا بدون ذكريات. أمّا جذعي أنا فكان شيئًا خاصًّا. لم ولن ترى مثله في حوض المتوسّط. لم أعتقد أنّه ثمّة زيتون في إسبانيا. أبي قال إنّ العرب فتحوا بلاد الأندلس قبل قرون، ثمّ دُحِروا ولكن الزيتون والقصور واللغة بقيت في الأندلس الذهبيّ. كلاّ، أبي يكذب. لا زيتون ولا قصور، ويتكلّمون الإسبانيّة. لا بأس. زيتونتي. جذعها. رائحتها. أوراقها الخضراء الحادّة المليئة بالغبار صيفًا، المقطَّرة بالندى شتاءً وأوائل الربيع. تميل مع النسيم أوراقها. إذا وقفت تحت زيتونتي في الشتاء الماطر لا تبتلّ، وتبتلّ الأوراق. حتّى الرياح تمرّ على الأوراق فتخجل أن تلامس ما تحتها وتبقى أنت دافئًا مستلذًّا. كلّ وساحته. ساحتي زيتونة. زيتونة وكرمها. دفء. حرارة. ربّي، اشرح لي صدري ويسّر لي أمر زيتونتي وابعث لها المطر واللقاح. ربّي ولا تدع المنشار يقصّ جذعها. ربّي وأَبعِد عنها عين الأستاذ أحمد، معلّم الرسم. الأستاذ فنّان، ولكن في قريتي لا يحبّون الفنّ. الأستاذ أحمد كان يخرج مع كلّ صفّ في درس الرسم إلى الطبيعة، حسب قوله، لرسم الكائنات والنباتات. أحيانًا يجد الجمال متجسّدًا في شيء ما فيأخذه إلى بيته. «الغباء والقبح من صفات الشيطان، أمّا الحكمة والجَمال فمن صفات الخالق تعالى. أَدخِلوا الحكمة والجَمال إلى قلوبكم فيدخل إليها الله». جملته المشهورة.
 
الأستاذ أحمد كان يُدخِل الحكمة والجَمال إلى قلبه ومن ثمّ إلى بيته. كلّما رأى حجرًا أو طيرًا أو حتّى دودة، وأحيانًا أوراق شجرة متربعة على أفنانها، قال:
 
- هذا جَمال الله. ثمّ يقتلعها ويأخذها إلى بيته.
 
كان همّي الأكبر وكابوسي الأوّل ألاّ يرى الأستاذ أحمد زيتونتي فيقتلعها ثمّ يجبرنا على حملها إلى بيته. لم أخبر أحدًا بخوفي هذا. زيتونتي، فائقة الجمال، لن تقبل بالأستاذ أحمد ذي الأنف الطويل والأفطس في آن واحدٍ. لم تقبله أيّ بنت كزوج، وهو يبلغ الأربعين الآن وليس لديه زوجة ولا ولد، بسبب أنفه القبيح. «الغباء والقبح للشيطان»... بلى، القبح للشيطان. الأستاذ أحمد شيطان يريد أن يستولي على شجرتي.

الصفحات