أنت هنا

قراءة كتاب الحماية الدستورية والقانونية في حق الملكية الخاصة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحماية الدستورية والقانونية في حق الملكية الخاصة

الحماية الدستورية والقانونية في حق الملكية الخاصة

كتاب "الحماية الدستورية والقانونية في حق الملكية الخاصة" يرتكز على ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول دراسة الأساس الدستوري والقانوني لحق الملكية الخاصة. أما الفصل الثاني فقد اختص لأهم الضمانات الدستورية والقانونية لحق الملكية الخاصة.

تقييمك:
4
Average: 4 (2 votes)
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 9
الفرع الثالث: حق الملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية
 
نبين في هذا الفرع الأسس العامة لحق الملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية دون الولوج في التفاصيل والتفرعات. وذلك بتقسيم هذا الفرع وعلى النحو الآتي:
أولاً: موقف الإسلام من حق الملكية الخاصة.
ثانياً: نطاق حق الملكية الخاصة في الإسلام.                   
أولاً: موقف الإسلام من حق الملكية الخاصة.
أقرَ الإسلام الملكية بنوعيها العامة والخاصة، إلاَ أنه أقام الملكية الخاصة على أساس أن الله – سبحانه وتعالى – هو المالك الأصلي لكل ما يملكه الناس، وينتفعون به، فهو الذي خلق كل شيء وسخره للإنسان. فهو إذن المشرع للملكية لكونه المالك الحقيقي لها. وهذا المعنى مصداق لما أشارت إليه الآيات الكريمة التي نسبت الملكية إلى الله تعالى. قال الله تعالى:  ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ  ) (34).  وقوله تعالى: ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)  (35).  وقوله تعالى: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )  (36).  وقوله تعالى:  (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) (37).           
يتضح لنا من الآيات الكريمة أن كل شيء في الوجود هو ملك لله -  تعالى -. فالله وحده الذي له ملكوت السموات والأرض. وإن الإنسان هو خليفته في أرضه. وبمقتضى هذا الاستخلاف يكون للفرد حق التملك الشخصي، ينفرد به، ويستغل الانتفاع به دون منازع من هذا. فإن الله تعالى لم يخلق ذلك ليكون هو المالك. فالله هو الغني والقدير والرزاق، ولكنه خلق كل شيء لكي ينتفع به البشر (38).
ومن الآيات التي تنسب الملكية للإنسان نحو قوله – تعالى -: ( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمً ) (39). وقوله تعالى:  ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )  (40). وقوله تعالى:  ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )  (41) وقوله تعالى:  ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ  ) (42)
إلا أن هذه الآيات كان إقرارها للملكية الخاصة ضمناً، ثم جاءت الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (43). فهذه الآية صرحت بأن غرض الملكية الخاصة هو إشباع حاجات المسلم الشخصية ثم إنفاق ما زاد عن حاجاته في سبيل الله. أي لغرض المنفعة العامة.
إن الإسلام قد أقر الانتفاع بالملكية الخاصة. فأباح تملك الأموال سواء أكانت عقاراً أم منقولاً، إذا كان اكتسابها قد تحقق بطريق شرعي. كما أن للأفراد حرية التصرف في الأموال المملوكة لهم والتعامل فيها بالبيع، أو الهبة، أو الوصية، أو غير ذلك من التصرفات المباحة شرعاً. وإن الشريعة الإسلامية جعلت الملكية من مقاصدها الخمسة. وهذه المقاصد: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال. فالملكية الخاصة حالها حالي باقي الحقوق وإن تقررت للإنسان للانتفاع منها إلا أنها مقيدة فيما فرضه الله من قيود وما وضعه من حدود. وهي بهذا تتمتع بحماية الشارع وأصبحت حقيقة ثابتة، وقاعدة أساسية في النظام الاقتصادي الإسلامي (44).
وقد ذهب الإسلام في احترام الملكية الخاصة وصيانتها إلى الحد الذي فرض فيه عقوبات صارمة. وجزاءاً حاسماً يحول دون الاعتداء عليها وهذه العقوبة هي قطع يد السارق. قال الله تعالى:  (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (45). ومن هذا يتضح لنا جلياً أنه ليس ثمة خلاف بين فقهاء الإسلام عامة والباحثين في الاقتصاد الإسلامي خاصة حول مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ولاسيما في مجال الملكية الخاصة (46).
ثانياً: نطاق حق الملكية الخاصة في الإسلام.
إن الشريعة الإسلامية احترمت الإنسان وحرصت على كرامته، وأقرت الملكية الخاصة وصانتها على أساس أنها حق فطري للإنسان. وجاءت نتيجة العمل والتنافس في ميدان الحياة. فعمل الإسلام على تشجيع الملكية، ووضع الضمانات الكفيلة لحمايتها. إلا أن هذه النزعة الفردية وما تتضمنه من صيانة حق الملكية وإقراره لا تعني إن هذا الحق مطلق من كل قيد وإنما تقف في وجه أي تدخل من قبل الحاكم. فالإسلام حرص كذلك على الجماعة ومصالحها. فهو لا يجعل صالح الفرد وحده أو حريته هدفه وغايته، وإنما يهدف إلى تحقيق صالح الفرد والجماعة في آنٍ معاً (47).
فمن أهم المبادئ التي يقوم عليها الاتجاه في الإسلام فيما يتعلق بحق الملكية الخاصة هي خضوع المالك في التصرف في المال إلى نظم وقيود من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق  مصلحة الجماعة. فهذا الحق يقوم على مجموعة من المبادئ أو القواعد التي تسمح بتدخل الحاكم رعايةً للمصلحة العامة فالإسلام أقام نوعاً من الموازنة بين المصلحتين الخاصة والعامة فيما يمنح الفرد الحق بالتملك، وكذلك التصرف. إلا أنه قيده بقيود لمصلحة المجتمع (48).
فالتملك وظيفة اجتماعية، إذ أن الفرد الذي يستثمر ماله إنما يعمل في مال المجموع لا في ماله الخاص. وبذلك فإن حيازة المال وظيفة والفرد موظف قائم بعمل الوكيل أو النائب عن الجماعة. وهكذا فإن الإسلام يفرض رعاية مصلحة المجتمع عند تملك المال فيد المالك يد استخلاف. والله جعل المال وسيلة للخير فلا يصح أن يستعمل إلا في مصلحة الجماعة. وبذلك تكون الملكية الخاصة في نظر الإسلام وظيفة اجتماعية (49).
وبناءاً على ما تقدم فإن الإسلام قد فرض عدداً من القواعد والنظم التي لا تعطي المالك حق التصرف المطلق في ماله، ويورد القيود المباشرة وغير المباشرة على الملكية، ويفرض عليهما من الواجبات ما يستهدف منه بناء المجتمع على أسس لا تتعارض مع الفطرة الإنسانية، ولا تقوم على تهيئة أسباب الاستغلال أو تعريض مصالح المجتمع العامة للخطر.

الصفحات