قراءة كتاب سابع ايام الخلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق ـ هي احدى أهم روايات عبد الخالق الركابي وهي ملحمة روائية عراقية تستحق احتفالية خاصة نساها النقد في الخارج ولم يتعرض لها احد كما لو ان الركابي متهم بإرتكاب جريمة العيش في وطن تقلصت حدوده الى مجرد كرسي متحرك يعيش ويكتب ويحلم داخله ويحاكم الازم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
- يبدو أن تغييرات عديدة جرت منذ قيامي بآخر زيارة إلى المتحف قبل أعوام؛ فثمة أجنحة جديدة أقيمت، وأجنحة أُخرى أُزيلت، فضلاً عن تحوير ممرات وسلالم تؤدي إلى اتجاهات لم أكن أمرّ بها في الماضي!
 
فأجابتني مبتسمة:
 
- ذلك هو دأب الأستاذ (بدر فرهود الطارش)؛ لا يمر عليه عام إلا وأجرى عشرات التحويرات على شتى مرافق المتحف!
 
وسارعتْ تضيف موقفة إيّاي عند حدي:
 
- اتبعني·
 
وتقدمتني واضعة بذلك حداً لرفع الكلفة معها، تاركة لعينيّ حرية تملّي ذلك الجمال المتجسد في هيئة أنثى تشع الفتنة من كل جزء منها· وقادتني في رحلة صامتة تمنيتُ لو تستمر إلى الأبد، لكنها انتهت في المكتبة؛ فافترق أحدنا عن الآخر لأهرع إلى أدراج البطاقات نابشاً فيها، حتى إذا ما سجلت عنوان الكتاب الذي كنت أنوي استعارته، ورقم تسلسله، فوجئتُ بـورقاء مرة أخرى: كانت تقف خلف الحاجز الخشبي المقوس، يؤطر نصفَها العلويَّ، الظاهرَ فوق السجل الخاص بالاستعارة، مستطيلُ باب في الخلف تلوح من خلاله خزانات الكتب الحديدية المتراصفة تحت أضواء كهربائية باهتة، وثمة أيدي طلبة وأساتذة ومثقفين تمتد إليها لتتسلم من يدها الكتب، وحين وجدتْ يدي سبيلها بين تلك الأيدي مددتها إليها كالضارع وأنا أهمس مداعباً:
 
- رحماك يا (أفروديت)!
 
- نعم؟!
 
تساءلتْ مستنكرة وهي ترفع رأسها نافضة شعرها الأسود إلى الوراء بحركة خاصة ساحرة· ورنتْ إليّ بنظرة قاسية من عينين لوزيتين أبرزَ الكحلُ اصفرارَ حدقتيهما الساطعتين، نظرة سرعان ما غاضت عنهما القسوة لتخلّف وراءها ألفة عزوتها يومذاك - متوهماً - إلى ذلك اللقاء الغريب في القاعة (النورية)· وعادت تخفضهما نحو السجل لتجيبني، وثمة ظل ابتسامة لاح على شفتيها اللتين تعلوهما طبقة (روج) خفيفة:
 
- ولم لا يكون اسمي (عشتار)؟
 
كان سؤالاً جريئاً ومفاجئاً لم أتوقعه منها؛ إذ إنه فتح لي باب المداعبة على مصراعيه؛ فاغتنمت الفرصة دون تردد:
 
- ولكن··· أية (عشتار) تعنين؟ ابنة (سين) أم ابنة (آنو)؟
 
فأجابتني كالمتحدية، وقد انفرج فمها عن ابتسامة عريضة كشفتْ التواءً جميلاً في إحدى أسنانها:
 
- ابنة الأول بطبيعة الحال!
 
وهكذا تجنبت الفخ؛ فابنة الثاني كان يعني كونها آلهة الحب، فلم أملك إلا أن أردد:
 
- جنّبنا الله شر الحرب!
 
يا إلهي!··· جميلة؟ ومثقفة؟ ذلك فوق ما كنت أتوقع؛ إذ لم أدر ما الذي جعل الثقافة لديّ تقترن بالخشونة والصلابة!··· لعل سر ذلك يعود إلى ظني أن عالم الثقافة يقتصر على الرجال دون النساء!
 
كان جمالها هادئاً، يتوغل في الروح على مهل ليجعل من الصعب على من يراها أول مرة نسيانها· والحق أن مواصلة زياراتي لمكتبة المتحف، منذ ذلك اليوم، لم تكن من أجل الكتب فحسب؛ بل من أجل أن أتملى تلك العذوبة المتجسدة في ملابس بسيطة لا تخلو من أناقة - عرفتُ فيما بعد أنها كانت تخيطها بنفسها - كانت لها طريقة خاصة في الانحناء على السجل، تجعل خصلات شعرها تتهدل حاجبة بياض وجهها، وثمة حلية ذهبية على شكل مصحف تتدلى قرب يدها وهي تعشي البصر بوهجها الخاطف· وكانت لها طريقة خاصة بقول: (نعم) تشفعها بانتفاضتها تلك من رأسها· وكنت كلما وقفتُ قربها، لا يفصلني عنها سوى عرض الحاجز الخشبي، أحدس بعبير يفوح منها ليس بالعطر الصناعي بل هو أقرب ما يكون إلى خليط من دفء وحنان يمتزجان على شكل رائحة تنعش الروح قبل حاسة الشم!
 
كنت أتأملها حين تستغرق في الكتابة في سجلها، محركة شفتيها مع حركة قبضتها البيضاء المضمومة على القلم إضمامة القلب على نبضه· كانت لها يدان جميلتان وثمة منديل ورقي وردي اللون في الغالب مكور في أحداهما·
 
تحت يد ورقاء تلك نمتْ فكرة هذه الرواية من محض كلمة (الراووق) التي دونتها في سجلها يوم استعرتُ نسخة خطية من المخطوط، انتهاءً بهذه الصفحات التي ستكون يد ورقاء أول يد تتصفحها، بعد يدي، قبل أن نلقم بها أحشاء المطبعة·
 
يومذاك تساءلتْ مبتسمة وهي تسلمني الملف الضخم الذي يضم بين دفتيه أوراق المخطوط:
 
- ما جدوى العودة إلى مخطوط سبق لك أن استنفدتَ موضوعه في رواية تحمل الاسم نفسه؟!
 
لحظتئذ غالبتُ بصعوبة شعوراً مبهماً بالفخر لكونها عرفتني (روائياً) وليس محض (مستعير كتب)، لكنه لم يكن أكثر من شعور عابر سرعان ما تلاشى حين تذكرتُ أن عملها موظفة في المكتبة يقتضيها معرفة مثل هذه الأمور، فأجبتها مداعباً كدأبي معها:
 
- عديه حنيناً للحبيب الأول!

الصفحات