أنت هنا

قراءة كتاب طبيب تينبكتو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طبيب تينبكتو

طبيب تينبكتو

رواية "طبيب تينبكتو" لعمر الأنصاري، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت أواخر سنة 2011، هي رواية تستمد وقائعها من أحداث حقيقية حصلت بالنصف الثاني من القرن العشرين، توحي بأنها تحمل تجارب شخصية مر بها الكاتب أو أقاربه ومعارفه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
تارَّايتْ 
 
اليوم، أتممت في تارّايت(1) حفظ القرآن على يدي معلمه الأشهر أبي إبراهيم وعمري ثمانية أعوام· وافقتْ أمي زينب على أن أرافق عمي موتّفا(2) الذي تزوج حديثا، بعد وفاة زوجته الأولى·· حيث قرر القيام برحلة صيد لأجل عروسه الجديدة· 
 
كانت أمي لا توافق على مرافقتي لعمي بحجة أني قد أعيقه عن التوغل في الصيد، في الصباح عندما كانت غارقة في تسابيحها، لم أنتظر انتهاء تسابيحها التي تقطعها بتسبيح آخر·· بصوت أعلى لإفاقتي؛ إذ كانت لا تتفوه حتى شروق الشمس بغير التسبيح، وإذا ما أرادت إفاقتي أنا وأختيَّ أو التحدث لأحد رفعت عقيرتها بالتسبيح والإشارة إلى ما تريد· 
 
أفقت من تلقاء نفسي، تسللت من تحت الخباء كقط رأى غنيمة يخشى فوتها، نظرتُ إلى والدتي، رأيتها وقد أطلقت ابتسامة رضى صغيرة امتنانا لعدم قطعها لتسابيحها بغية إفاقتي· 
 
كان والدي قد رفع أديم الصلاة وبدأ في التحضير لإفطاره من القديد والمضير الطازج والآتاي(3)· توضأت ببقايا وضوء أبي وأديت صلاتي المتأخرة كالعادة· انتظرت عمي حتى إذا حضر وجلس قليلا مع والدي وارتشفَ معه فنجان آتاي·· تناولت حزام الذخيرة وقربة الماء منه·
 
قال له أبي الذي يمتنع عن أكل ما يصطاد: متى ستقلع عن هذه العادة السيئة يا موتّفا·· ألا تقتنع أن أكل لحوم الغزلان يصيب القلب بالوحشة·· إن قلوب الغزلان سكن للجن!
 
ابتسم عمي: يا إبراهيم·· لمن نتركها·· إن لم نأكلها أكلتها السباع
 
يرد أبي: هي للسباع وليست للآدميين 
 
وإذ ينتهي الحديث الذي سمعته أكثر من مرة انطلقت أنا وعمي، تركنا الحي والنهر الذي يحتضنه خلف أظهرنا· قطعنا مزارع القصب التابعة لجيراننا زكاتن(4) كنا في صبيحة يوم ربيع ندي، لامست بأطراف أصابعي العشب المبلل بندى الإبكار حتى وددت الغوص فيه ليلامس شغاف قلبي لبرودته، لكني اقتحمته قليلا لأبلل أطراف رجليَّ الحافيتين·
 
ابتعدنا عن النهر الذي قال لي عمي إنه يفصل عالم الشمال الذي ننتمي إليه·· عن عالم الجنوب الذي نختلط مع بعض أهله· 
 
مررنا بكوخ همّادو جارنا الجنوبي·· الذي لولا لونه الأسود هو وقومه، لما ميزت أنه من غير جنسنا إلى حين، كان الكهل - جدّ معظم صيادي السمك والمزارعين من زكاتن الذين نجاورهم - جالسا يصلح شباك صيده أمام كوخه· تبادلا هو وعمي السلام والأخبار·· إذا به يرمق صبيته الناهد التي تساعده فتقفز من جلستها إلى داخل الكوخ·· لإحضار شراب الكندو اللذيذ(5) الذي ناولتْه عمي فارتوى منه، ثم ناولنيه فأفرغت القدح منه·
 
وقبل أن نمضي طلب عمي من العجوز همادو إرسال حصة له من زيت بَلنْغا(6) الذي تخصص زكاتن في بيعه لأهلنا إذا ما عز أو نقص السمن عند بعضهم· 
 
عمي الذي بلغ تمام الرجولة·· إذ انكسر عنه سوار الشباب مبكرا بعــد اشتــداد عضــده، بدا وبسبب مرافقتي له لا يريد التوغل بعيدا، كما لم يُرد الإياب يومها بأكثر من غنيمة واحدة تقتنع بها زوجــه·
 
تجاوزنا مئات من أشجار الأراك والسدر·· بعد مزارع قصب الكندو التي تلي الشاطئ· طلبت منه التوقف قليلا لأخذ زادي من النبق، والصمغ اللذيذ الذي لا أقاومه حين يبدأ في التدلي من أطراف الأغصان وقد أتم نضجه واحمراره·
 
أخذت زادي ونزلنا منحدرين إلى السهل المخضر، اقتفيت أثر عمي·· لا أتبين سوى نصفه الأعلى بسبب ارتفاع العشب المعانق لبعضه، تجاوزنا قطيع الأبقار التي اختفت رؤوسها تحت العشب لا نرى منها إلا ظهورها·· وهي منهمكة في الرعي·

الصفحات