قراءة كتاب المحاورات السردية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المحاورات السردية

المحاورات السردية

في كتاب "المحاورات السردية" للكاتب والباحث العراقي د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
الكتابة ممارسة ممتعة،لا أتكلّفها، ولا أسترضي بها أحدا
 
حوار: منى سعيد
 
مع نتاج نقدي وفكري استغرق نحو ربع قرن، ظهر في أكثر من 15 كتابا وعشرات من البحوث والدراسات النقدية والتاريخية والفلسفية، ينبغي عليّ القول بأنني كدّت أفقد بوصلتي، وأنا أحاول مناقشة، وعرض، أفكار، ووجهات نظر المفكّر والناقد العراقي عبد الله إبراهيم، فهي بمجملها متاهة مترامية الأطراف يصعب الإلمام بها، ففيها النقد السردي الموسّع ممثلا بكتابه الكبير موسوعة السرد العربي، وفيها التحليل الفكري الجريء للمنظومات الدينية والاجتماعية، ممثلا بنقده للمركزيات الغربية والإسلامية، وعالم القرون الوسطى في أعين المسلمين، الذي ظهر في أربعة كتب كبيرة تزيد على ألفي صفحة، وفيها الجوانب الخاصة التي لم يكشف عنها بعد بالتفاصيل، فما زال متكتّما عليها، وتمثلها سيرته الذاتية المخطوطة الضخمة، ونحو عشرة مجلدات من اليوميات التي تتوسّع يوما بعد يوم، وتغطّي أحداث أكثر من ثلاثة عقود ونصف من حياته وتاريخ العراق، فكان لابد لي أن أختصر وأكثف عبر الأسئلة المباشرة الآتية:
 
- في العام 2000 مررت بأزمة منهجية عسيرة، فكيف تصف ذلك؟
 
- تعلمين بأنني أُعددت إعدادا أكاديميا في مجال السرد الأدبي، وربما تكون أطروحتي للدكتوراه، وهي بعنوان السردية العربية هي أول أطروحة جامعية خصصت بكاملها لهذا الموضوع· ثم مارست عملي الأكاديمي لتدريس هذا التخصص منذ ذلك الوقت، ولي آراء فيه كثيرة، ومعظم مؤلفاتي كانت في ذلك الجانب· ولكن بموازاته انبثق لديّ اهتمام فكري أشمل، فانشغلت بممارسة نقد الظواهر الفكرية والدينية والاجتماعية· ومع نهاية التسعينات وجدت نفسي أعمل في حقلين مختلفين: نقد الفكر بمعناه الشامل، ونقد الأدب بمعناه الدقيق· فلم أعد أعرف أين أنا؟· فإن كنتُ غير قادر على التعرف إلى نفسي، فكيف يتعرّف القرٌاء عليّ؟!·
 
لا لوم عليهم إذا ما تركوا الاهتمام بالجانبين؛ وعزفوا عن قراءتي، لأني كنت قد انشطرت فعلا بين حقلين لا تبدو الصلة بينهما واضحة، فتوقّفت عن الكتابة، واصطلح على هذه الحقبة بـ الأزمة المنهجية فتأزّمت فكريا لأنني لا أدري في أي مجال أعمل· إلى أن انتهيت، وأنا مشغول بهذا الموضوع مدة طويلة، إلى طرح السؤال التالي: أليس كل مركزية، سواء أ كانت دينية أم عرقية أم مذهبية، قائمة على الأخذ بسرد مخصوص، أي الإيمان برواية معينة للماضي، وللذات، والآخر؟!· وقد كشف لي هذا السؤال جوهر العلاقة المتينة بين السرد والمركزيات الثقافية· وللتوضيح أضرب أمثلة دالة، فمن ذلك اعتقاد اليهود بأنهم شعب الله المختار، وإيمان المسلمين بأن ديانتهم هي خاتمة العقائد، وتصوّر الغربيين بأن حضارتهم هي أكمل الحضارات، ويمتد ذلك فيشمل المذاهب والأعراق والطوائف التي أخذت بسرد مخصوص يقول بالأفضلية، أي التمركز حول الذات، والانكفاء على النفس، فكل قوم أو معتقد، أو مذهب، أو قبيلة، يتوهم أنه الأفضل، وغيره هو الأسوأ·
 
ويعود ذلك إلى الأخذ بسرد يستجيب للرغبات المغلقة، وينكر على الآخرين وجودهم السوي والطبيعي في عالم لا يقبل في حقيقته إلا الشراكة، لكنه مملوء بضروب الاستبعاد والانتقاص والكراهية والذم، والحروب بكافة أشكالها وأسبابها· فارتسمت لي الصلة الواضحة بين السرد والمركزيات الثقافية، وحينما حُلّتْ هذه القضية شرعت في إعادة النظر بمشروعي النقدي والفكري من أوله، فعدّلت فيه بما يوافق هذه الرؤية الجديدة، إذ لم يعد السرد، بالنسبة لي، سردا أدبيا فقط، إنما هو سرد ديني، وتاريخي، وسياسي· وأصبحت المركزيات نفسها سرديات ثقافية مغلقة تحتاج إلى التحرير من أسوارها الافتراضية· ولم تلبث أن أصبحت الكتابة عندي ممارسة ممتعة، وجذابة، وشائقة، لا أعاني منها أي تكلّف، ولا أسترضي بها أحدا·
 
- في ضوء ما ذكرت، ما هي وظيفة النقد باعتباره ممارسة فكرية تحليلية كشفية استنطاقية، كما وردت ذلك في مقدمة كتابك المركزية الغربية
 
- لا أجد أن وظيفةً ما قد تعرّضت لسوء فهم عميق في الثقافة العربية القديمة والحديثة، كما تعرّضت له وظيفة النقد، فقد ظل واصفا للنصوص، وشارحا لها· فيما أجده ممارسة فكرية وجمالية تحللّ النصوص، وتستكشفها، وتستنطقها، بل وتطرح عليها أسئلة سواء أ كانت نصوصا دينية أم تاريخية أم أدبية، بحيث تزحزح وظائفها التقليدية، وتدرجها في سياق وظائف جديدة· وهذه، فيما أرى، هي الوظيفة الحقيقية للنقد، وليس وظيفته التلخيص، والترويج، وإطلاق الأحكام السريعة·
 
- لطالما كانت هناك شكوى دائمة من عدم مواكبة النقد لإبداع الكتّاب والشعراء فما هو تعليقك؟
 
- النقد نقدان: صحافي هدفه تعريف الجمهور بالنتاج الإبداعي، وهو لا يغوص في تضاعيف النصوص، إنما يهدف إلى تسليط الضوء عليها من أجل إثارة انتباه القراء حولها بما يدفعهم للاطلاع عليها أو حتى تكوين فكرة عامة عنها، فليس جميع القراء يرغبون في معرفة شؤون الأدب بالتفصيل· وهذا النوع من النقد مفيد لأنه يدرج الأعمال الأدبية في سياق الاهتمام العام، وأحيانا يقوم بتصفية تلك الأعمال وتنقيتها فيبرز المهم منها· أما النوع الثاني، وأنا معنيّ به منذ البداية، فهو الذي يستنطق النصوص، ويفكّك العناصر المكونة لها، ويستكشف أبنيتها، ودلالاتها، وجمالياتها· وهذا النقد هو الذي يدرج الأعمال في تاريخ الآداب القومية، ولا يعنى إلا بتلك الآثار التي اكتسبت شرعيتها الجمالية والدلالية·

الصفحات