أنت هنا

قراءة كتاب الأعمال المسرحية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأعمال المسرحية

الأعمال المسرحية

إن زمن السرد يبدأ بالحكاية من هنا، الخشبة الرئيسة، حزم ضوئية متداخلة على جدار الخلفية، التي يتجسد عليها حوض ماء تسبح فيه ثلاث نساء عاريات، ويخضن فيما بينهم صراعاً غريباً، تحاول الأولى الإمساك برأس مهيار، وتحاول الثانية أن تلقمه ثديها، بينما يبدو راس المرأة

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
تقديم
 
ما الحياة إلاّ ظلِِ ٌيمشي، ممثل ٌمسكين يتبختر ُويستشيط ُساعتهُ على المسرح، ثم لا يسمعهُ أحد: إنها حكاية ٌيحكيها معتوه ٌ ملؤها الصخب ُوالعنف ُ، ولا تعني شيئا
 
وليم شكسبير
 
في واحد من المطاعم الاستهلاكية كنت بصحبة أخي محمد في عام 9 8 9 1م لتناول وجبة العشاء في ذلك الوقت كنت أتدرب لمدة ثلاثة أشهر في مسرح الشباببسلطنة عمان ، على كيفية إعداد الممثل المسرحيّ ، والكتابة والإخراج المسرحيين ولا ُأخفي تذمري وإحباطي الشديدين؛ ِلما كانت تتسم به الدورة من فقر وضحالة وإدعاء!
 
أتذكر أننا كطلبة كنا مأخوذون بالحماس والطاقة ، كنا نتدرب على قراءة مسرحيات مترجمة كثيرة ، لكنّ الذي استوقفني من بين تلك النصوص، هو مسرحية أوديب ملكا لسفوكليس ، في ترجمة توفيق الحكيم ، وتساءلت أليس من الأنسب أيضا أن نقرأ المسرحية في ترجمة طه حسين أيضا ، لمعرفة جمالية الإبداع بين الترجمتين·
 
··· المهم أنني كنت أتلذذ بمقطع الملك أوديب وهو يخطب أمام شعبه قائلا : أيها الأبناء إنكم لخليقون بالإشفاق ···إلخ كان هذا المقطع هو ثان مقطع مسرحي أتلذذ به وأحفظه كما أحفظ اسمي الأول ؛ بعد مقطع هاملت : أكون أو لا أكون···
 
وكعادة أي متحمس للعلم وللمعرفة ، اجتهدت في حفظ مقطع أوديب ، وكان لا بد أن يشهد أحدهم ، وإن كان أحدَ العابرين في حياتنا اليومية على قوّة القول الذي أحفظهومن ُحسن طالعي كان معي أخي الذي ظل يلازمني طيلة تلك المدة في مسقط بصفته محْرَما شرّعيا!!
 
كان أخي يحضر معي بعض الدورات ، وفي أثناء الليل كنت ُأخبره عما أخذته من خبرات مسرحيّة لم تكنْ جديدة تماما عليّ، وفي غمرة فرحتي قلت له : لقد حفظت مقطع الملك أوديب كاملا وأرغب أن ُأسمعُك إياه ، فقال مازحاً بعربية جميلة :
 
حسنا سأستمع لك ، ولكن بشرط أن أتناول العشاء على حسابك في مطعم KENTUCKY القريب من البيت ، فوافقت وذهبنا ، وبعد أن فرغنا من الطعام عرض عليّ أن يؤدي دور الملك أوديب أمامي في المطعم فسألته : أتحفظ المقطع جيدا ؟ أجاب بحركة مسرحيّة من عينيه ويديه الجميلتين : نعم·
 
كان ما أدهشني أنه وقف في مكانه وأخذ يتمسرحُ ويتقمصُ أمام الذين كانوا في المطعم بصوت خطابيّ مرتفع ، جعلهم يستمعون وينصتون ويصفقون بحرارة ، فما كان إلاّ أن أغرورقت عيناي بالدموع ، وفي طريق العودة قلت له : لقد أدهشتني ، متى حفظت المقطع ؟ فقال وهو يضحك محاولا إخفاء الحقيقة الأكثر بروزا فيه: أنا ممثل، وكنت ُبعد أن تنامين اقرأ المقطع يوميا ، ألا يليقُ أن أكون مقِلدا ؟ حينها ضحكت وتجاهلت الأمر· وإذ أتذكّر ذلك المشهد المسرحيّ أقول في نفسي ، لعل التعبير المناسب الذي لم ُيسعفه لسانه إليه هو أن يقول : إني ُأقلد ما ُأصدقه ، أو ما أود أن أكونه : ممثلا إن ما يجعلني أستعيد هذا المشهد أمرين اثنين :
 
الأمرُ الأول إنني قرّرت أن أجمع أعمالي المسرحية في طبعة جديدة مزيّدة ومنقّحة ِلما لاقته بعض الإصداراتِ ، من ضعف ، وأخطــاء وإخراج سيىء ، وتوزيع أسوأ أتحملُ لا شك بعضهُ ولا أود أن أقولَ إن هذه الطبعة ُتلغي مضمون ما سبقها، ولا يعني ذلك أنها تتقاطع معها فالذين سيكتفون بقراءة هذه الطبعةِ ، ُربما سيكتفون بها من دونِ إحساسهم بأدنى تأنيب للضمير يحملونه فوق أكتافهم ، وأنا لا ُيزعجني هذا الإحساسُ· أما الذين قرأوا الطبعة السابقة ورغِبوا أن يبذلوا ُجهدا ُمضاعفا لقراءة الطبعة الجديدة ، فسُيلاحظون أن ثمة تدارُكا قد تم، ينتصِرُ للتشكيل المسرحي وتقنياته المعروفة كالإضاءة والصوتِ وهيئة جسد الممثلِ وتبادلِ الأدوارِ واللغةِ فالنصوصُ المسرحية الأولى : الحلم ، الجسر والبئر قد ُكتبت في أزمنة مختلفة ومتباينة ، قد يَلحَظُ عليها القاريء العناية باللغة وبالحوار وتغليبهما على الحركة ، وتم ذلك من مبدأ النص أولا وقد يتساءل أحد ُالقراءِ:
 
لماذا لم أجعل مسرحيّة الطعنة وهي أول ُإصدار مسرحيّ لي من ضمن هذا الإصدار ؟ الجواب ببساطة إن نص الطعنة يفترقُ مُناخيا عن بقية النصوص من حيث المضمون الشعري الذي ُيغلفها والشكلُ المسرحي الذي يؤطرها ؛ فما قمت به في المسرحية هو قراءة قصيدة الشاعر أمل دنقل لا ُتصالح برؤية مسرحية· وفي النصين الأخيرين الذين على يمين··· ومنتهي الحب··· أود أن أشير إلى مسألة مهمة : فقد تلقت بعض الأوساطُ الثقافيّة النصيّن كدلالة على حال سياسي عربيّ معيّن لكنْ تلك النظرة في واقع الأمر لا تعدو أن تكون إلاّ نظرة إقليميّة ضّيقة ومسّطحة· وفي لقاء صحفي أشرت إلى أن هذين النصين ، إنما ينطلقان من َفْهمٍ واضحٍ ومعقد في آن للعبة المسرحيّة وتركيبة الشخصيات ، هي لعبةُ التمسرح أو التقمص ، فما تنطق به تلك الشخصيات من حوار وما تقوم به من أفعال لا يقل رعبا أو مسرحة عن خطاب تلك الحكاية المتخيلة التي تفترض بأن بعض العصافير راحت تبحث عن أقفاصها! وتكشف هذه الحكاية عن مدى قوة وتماسك وتخلل وهيمنة السلطة ومستويات الضبط في حياتنا اليومية·

الصفحات