أنت هنا

قراءة كتاب النورس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النورس

النورس

الداخل إلى مجموعة "النورس"، عليه أن يكون أنيقاً، كأناقتها، ومعطراً كعطرها الذي يمسك بحواس القراءة، يقودها عبر حقول مروية، وأشجار يانعة، وتلال وسفوح، ووجوه مغرفة في العزلة، بل متيمة بالعزلة..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
الأشباح
 
أشجار الصنوبر والسرو تكسو الجبال والأودية المحيطة بقريتنا الصغيرة بشمال تونس· بسفح أحد الجبال، وفي مساحة صغيرة اقتُلِعت أشجارها وسُوِّيت أرضها لحرق الأخشاب (مردومة) (1)، كانت تنمو شجرة تين عتيقة، ذات جذع قوي وأغصان ملتوية كثعابين ضخمة· شجرة التين هي الشجرة الوحيدة التي لم يتمّ اقتلاعها، وقد نُسِجت حولها قصص كثيرة عن ظهور الأشباح أو الغولة كما كنا نسميها·
 
كان الرعاة وكهول القرية يدّعون -والبعض يقسم- بأنهم شاهدوا الغولة أكثر من مرة، أو سمعوا صوت نحيبها وأنينها الجارح عند شجرة التين· من القصص الأكثر تداولاً بين أهل القرية، أنّ أحد الرعاة كان ذات يوم يأخذ قسطاً من الراحة تحت الظلال الكثيفة لشجرة التين، وبينما هو كذلك، إذ رأى شيخاً شديد البياض، رثّ الهيئة يجلس غير بعيد تحت سعير شمس الظهيرة الحارق· أشار الشيخ على الراعي بأن يحمله ويسنده إلى جذع شجرة التين، لأنّه لا يقوى على الحركة· ولكن ما أن قام الراعي بحمل الشيخ على ظهره وحاول التقدم به، حتى أخذت رِجْلا ذلك الشيخ تتدلّيان، ثم لامستا الأرض وبدأتا تغوصان فيها، وهو يطلق قهقهات شيطانية متموجة··· دوّت لها بطون الأودية المجاورة· يروي الراعي بأنّ قدميه كانتا تشبهان حوافر البغال، وبأنه فقد الوعي، وعندما أفاق، لم يرَ شيئاً، غير عمود من الدخان الأزرق يصعد إلى السماء من المكان الذي كان يجلس فيه ذلك الشيخ·
 
كنا نسمع قصص الأشباح من الكبار فتملؤنا فضولاً ورعباً· هذه القصص كانت تستخدم لتخويفنا إذا لم نفعل كذا وكذا، أو إذا لم نمتنع عن عمل شيء يغضب الأهل· هذا الأسلوب كان كافياً لأن يجعلنا ندوس على عنادنا ونمتثل لأوامر الكبار وفرائصنا ترتعد خوفاً ووجلاً·
 
في الليالي المظلمة كنّا نحكم الغطاء عند النوم، ونحضن بعضنا البعض بشدة ونحن نصغي في الخارج إلى صوت تحطم أغصان الأشجار تحت وطأة العواصف العاتية وقصف الصواعق·كنّا نعتقد بأننا إذا أحكمنا الغطاء والتزمنا بالصمت الشديد، فلن تهددنا الغولة، حتى وإن أفلحت في التسلل إلى البيت، من شقوق الجدران الطينية أو من خلال السقف المغطى بالأخشاب والقش·
 
في إحدى ليالي الشتاء والتي تعرف عندنا بالليالي البيض، كان البرد شديداً والظلام دامساً· لا تكاد ترى شيئاً غير بعض أنوار مصابيح الزيت الخافتة تنبعث من منازل القرية المتناثرة على سفوح الجبال· كانت الريح تعصف بشدة وتُحدث صفيراً مرعباً وهي تعبث بأغصان الأشجار· في تلك الليلة طلبتْ مني أمي أن أذهب إلى دكّان القرية لكي أشتري لها زيتاً، ثم دفعتْ لي بحفنةٍ من النقود المعدنية· تذكّرتُ قصص الأشباح التي سمعتُها من الكبار· رفضتُ· استعدتُ كل مخاوفي من الأشباح والجنيّات التي تجوس الظلام بعد أن تغادر عالمها السفلي في باطن الأرض· أخذتُ أرتعش كقصبة في مهب الريح· توسّلتُ إلى أمي بأن تعفيني من هذه المهمّة·

الصفحات