أنت هنا

قراءة كتاب اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة والفكر وفلسفة الذهن

اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات كلها يلخصها سؤال هام هو: ما طبيعة الفكر؟.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
غير أن موقف كارنب القاضي بأن العناصر الأساسية مصدرها التجارب الأولية خلف ردود فعل كثيرة لما يتسم به من نزعة ذاتية عرفت بـ "الأنــَوِية المنهجية" (Methodological solipsism). وقد اعترض أ. نوراث على موقف كارنب هذا بأن الأقوال أو الجمل التي يمكن أن تبنى على التجارب الأولية لا يمكن التحقق منها بكيفية تذاوتية. واقترح، بدل تصور كارنب، تصوراً آخر يقضي بأن الجمل التي يمكن أن يتوافر فيها شرط التحقق التذاوتي (Intersubjective verifiability) هي الجمل المعبرة عن قضايا الفيزياء؛ لأنها تعرض ما يدل عليه من حالات زمكانية عرضاً كميّاً. ولهذا السبب فإنها تمكِّن كلّ الملاحظين من التحقق منها في وقت واحد.
 
وحينما تبين أن الموثق الذي عرضه أ. نوراث موقف "صائب"، دخل البرنامج الوضعي مرحلته الثانية في مسيرته نحو "وحدة العلم". واقترنت هذه المرحلة بالإسم الذي أطلقه نوراث على موقفه، وهو: النزعة الفيزيائية(7). أي النزعة التي تقضي بأن اللغة الفيزيائية لغة تذاوتية لا يمكن تلافيها في أي برنامج يروم تحقيق وحدة العلم المنشودة. وانقلب كارنب عن موقفه الأول واعتنق مذهب نوارث (أنظر النقد الذي صوبه بوبر (149-136:1964) إلى كارنب ونوارث في هذا الشأن).
 
عندما نقرن بين "وحدة العلم" و "النزعة الفيزيائية" نخلص إلى نتيجة تقضي بأن كل النظريات الصادقة في العلوم الخاصة ستغدو، في المدى البعيد قابلة للاختزال إلى النظريات الفيزيائية. وفي هذا المستوى تأخذ أطروحة وحدة العلم بعداً فيزيائياً، أي تصبح إقراراً صريحاً بعمومية الفيزياء وهيمنها على العلوم الخاصة. وعندما نسلم بعمومية الفيزياء، فإن وحدة العلم لا تغدو دالة على وحدة الموضوعات التي تدرسها العلوم ووحدة اللغة التي تصاغ فيها الأوصاف استجابة لشرط التحقق التذاوتي فقط، بل تصبح دالة على وحدة القوانين أيضاً. ويمكن أن نصوغ هذا التعميم على النحو التالي: إذا كانت كل الأحداث التي تنطبق عليها قوانين علم من العلوم أحداثاً فيزيائية في العمق، فإن هذا يلزم عنه انطباق قوانين الفيزياء على هذه الأحداث. (نتحدث هنا عن النزعة الاختزالية بوصفها نزعة أكثر قوة مما تظهر عليه صراحة في كتابات أغلب فلاسفة العالم. ونتبع في هذا الشأن فودور الذي يرى أن أغلب الناس الذين يتحدثون عن وحدة العلم يضمرون في أذهانهم تصوراً قوياً للاختزال أكثر مما يصرحون به. بل إن كثيراً من الصيغ الاخترالية المتحررة الجديدة تعاني في نظر فودور من المشاكل نفسها التي يعاني منها ما أطلق عليه فودور الصورة الكلاسيكية للمذهب. (أنظر في هذا الشأن الهامش 9 في فودور (10:1975)).
 
وهكذا يغدو برنامج "وحدة العلم" نرنامجاً حول موضوعات العلم وبرنامجاً حول لغة العلم ونرنامجاً حول قوانين العلم أيضاَ. وقد ميّز أوبنهايم وبوتنم (337-338: 1958) بين ثلاثة تصورات عامة لوحدة العلم: الأول ضعيف، والثاني قوي والثالث مفرط القوة:
 
‌أ. وحدة العلم بالمعنى الضعيف: وهي الوحدة التي يتم الوصول إليها عند اختزال كل حدود العلم (تجريبياً كان أم إنسانياً) إلى حدود علمٍ آخر (إلى الفيزياء مثلاً أو غلى علم النفس). ويتعلق الأمر هنا بوحدة اللغة. (ويمكن في هذا الصدد أن نشير إلى ما عرف عند الوضعيين بالسلوكية المنطقية (Logical behaviourism)، وهي أطروحة اقترنت اقتراناً وثيقاً بالنزعة الفيزيائية. وتقضي هذه الأطروحة بأن العبارات الدالةالتي تقال عن الحالات الذهنية لدى الإنسان (أو الحيون) ينبغي أن تقبل الترجمة إلى لغة الفيزياء أو بعبارة أوضح، يتعين علىالعبارات الدالة التي تقال عن الحالات الشعورية أن تقبل الترجمة إلى عبارات دالة على "سلوك" صاحب هذه الحالات(8)). ويختلف الباحثون في تصورهم لهذا النوع من الوحدة تبعاً للطريقة التي يخصصون بها استعمالهم لمفهوم "الاختزال".

الصفحات