أنت هنا

قراءة كتاب التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول

كتاب "التعليق المنقول في كلام شيخ الإسلام عن أئمة الأصول"، هذه تعليقات جليلة، وحاشية ذات قدر وفضيلة، جمعتها من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني _ وهو أحمد بن حنبل الثاني _ على مختصر في الأصول معتمد، وهو «منهاج الوصول» للقاضي البيضاوي، وهو كتاب ذو شروح

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

(5) ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

قال البيضاوي: «الفصل الثالث: في أحكامه: وفيه مسائل: الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعين، وقد يتعلق بمبهم من أمور معينة؛ كخصال الكفارة...» إلى آخر كلامه.
ثم قال: «الرابعة: وجوب الشيء مطلقاً يوجب وجوب ما لا يتم إلا به، وكان مقدوراً...».
ثم قال: «الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه؛ لأنه جزؤه، والدال عليه يدل عليه بالتضمن...».
ثم قال: «السابعة: الواجب لا يجوز تركه، قال الكعبي: (فعل المباح ترك الحرام)، وهو واجب، قلنا: لا؛ بل به يحصل».
أقول: هذه المسائل الأربعة من باب واحد، وقد كثر اضطراب الشراح فيها، ولشيخ الإسلام فيها تحقيق؛ خلاصته: رجوع اللزوم في هذه المسائل إلى اللزوم العقلي، وأن الواجب إذا استلزم وجوب شيء آخر، أو ترك شي؛ فهذا الواجب والمتروك تبعاً، وإن كان لا يتم الواجب إلا به، فلا حساب ولا عقاب إلا على الواجب المنصوص، أما اللازم؛ فليس كذلك؛ لأنه ليس مقصوداً بالذات، وإنما لزومه عقلي، فانظر تفصيل شيخ الإسلام _ رحمه الله _؛ فإنه جامع في هذا الباب، نافع:
قال _ رحمه الله _ «درء التعارض» (1/211).: «ولهذا تنازع الناس في الأمر بالشيء: هل يكون أمراً بلوازمه؟ وهل يكون نهياً عن ضده؟ مع اتفاقهم على أن فعل المأمور لا يكون إلا مع فعل لوازمه وترك ضده.
ومنشأ النزاع أن الآمر بالفعل قد لا يكون مقصوده اللوازم، ولا ترك الضد، ولهذا إذا عاقب المكلف لا يعاقبه إلا على ترك المأمور فقط، لا يعاقبه على ترك لوازمه وفعل ضده.
وهذه المسألة هي الملقبة بأن ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب.
وقد غلط فيها بعض الناس، فقسموا ذلك إلى ما يقدر المكلف عليه؛ كالصحة في الأعضاء، والعدد في الجمعة، ونحو ذلك مما لا يكون قادراً على تحصيله، وإلى ما يقدر عليه؛ كقطع المسافة إلى الحج، وغسل جزء من الرأس في الوضوء، وإمساك جزء من الليل في الصيام _ ونحو ذلك _.
فقالوا: ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدوراً؛ فهو واجب.
وهذا التقسيم خطأ؛ فإن هذه الأمور التي ذكروها هي شرط في الوجوب، فلا يتم الوجوب إلا بها، وما لا يتم الوجوب إلا به لا يجب على العبد فعله باتفاق المسلمين؛ سواء كان مقدوراً عليه أو لا؛ كالاستطاعة في الحج، واكتساب نصاب الزكاة؛ فإن العبد إذا كان مستطيعاً للحج؛ وجب عليه الحج، وإذا كان مالكاً لنصاب الزكاة؛ وجبت عليه الزكاة، فالوجوب لا يتم إلا بذلك، فلا يجب عليه تحصيل استطاعة الحج، ولا ملك النصاب.
ولهذا من يقول: إن الاستطاعة في الحج ملك المال؛ كما هو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فلا يوجبون عليه اكتساب المال، ولم يتنازعوا إلا فيما إذا بذلت له الاستطاعة: إما بذل الحج، وإما بذل المال له من ولده، وفيه نزاع معروف في مذهب الشافعي وأحمد، ولكن المشهور من مذهب أحمد عدم الوجوب، وإنما أوجبه طائفة من أصحابه؛ لكون الأب له على أصله أن يتملك مال ولده، فيكون قبوله كتملك المباحات، والمخالفون لهؤلاء من أصحابه لا يوجبون عليه اكتساب المباحات، والمشهور من مذهب الشافعي الوجوب ببذل الابن الفعل.
والمقصود هنا: الفرق بين ما لا يتم الوجوب إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به، وأن الكلام في القسم الثاني، فما لا يتم الواجب إلا به _ كقطع المسافة في الجمعة، والحج، ونحو ذلك _؛ فعلى المكلف فعله باتفاق المسلمين.
لكن من ترك الحج، وهو بعيد الدار عن مكة، أو ترك الجمعة، وهو بعيد الدار عن الجامع؛ فقد ترك أكثر مما ترك قريب الدار، ومع هذا؛ فلا يقال: إن عقوبة هذا أعظم من عقوبة قريب الدار، والواجب ما يكون تركه سبباً للذم والعقاب، فلو كان هذا الذي لزم فعله بطريق التبع مقصوداً بالوجوب؛ لكان الذم والعقاب لتاركه أعظم، فيكون من ترك الحج من أهل الهند والأندلس أعظم عقاباً ممن تركه من أهل مكة والطائف، ومن ترك الجمعة من أقصى المدينة أعظم عقاباً ممن تركها من جيران المسجد الجامع.
فلما كان من المعلوم أن ثواب البعيد أعظم، وعقابه إذا ترك ليس أعظم من عقاب القريب؛ نشأت من ههنا شبهة: هل هو واجب أو ليس بواجب؟
والتحقيق: أن وجوبه بطريق اللزوم العقلي، لا بطريق قصد الأمر؛ بل الآمر بالفعل قد لا يقصد طلب لوازمه، وإن كان عالماً بأنه لا بد من وجودها، وإن كان ممن يجوز عليه الغفلة، فقد لا تخطر بقلبه اللوازم.
ومن فهم هذا؛ انحلت عنه شبهة الكعبي: هل في الشريعة مباح أم لا؟
فإن الكعبي قال أنه لا مباح في الشريعة؛ لأنه ما من فعل يفعله العبد من المباحات إلا وهو مشتغل به عن محرم، والنهي عن المحرم أمر بأحد أضداده، فيكون ما فعله من المباحات هو من أضداد المحرم المأمور بها.
وجوابه أن يقال: النهي عن الفعل ليس أمراً بضد معين، لا بطريق القصد، ولا بطريق اللزوم؛ بل هو نهي عن الفعل المقصود تركه بطريق القصد، وذلك يستلزم الأمر بالقدر المشترك بين الأضداد، فهو أمر بمعنى مطلق كلي، والأمر بالمعنى المطلق الكلي ليس أمراً بمعين بخصوصه، ولا نهياً عنه؛ بل لا يمكن فعل المطلق إلا بمعين _ أي معين كان _، فهو أمر بالقدر المشترك بين المعينات، فما امتاز به معين عن معين؛ فالخيرة فيه إلى المأمور، لم يؤمر به ولم ينه عنه، وما اشتركت فيه المعينات _ وهو القدر المشترك _؛ فهو الذي أمر به الآمر.
وهذا يحل الشبهة في مسألة المأمور المخير، والأمر بالماهية الكلية: هل يكون أمراً بشيء من جزئياتها أم لا؟
فالمخير هو الذي يكون أمر بخصلة من خصال معينة؛ كما في فدية الأذى وكفارة اليمين؛ كقوله _ تعالى _: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)، وقوله _ تعالى _: (ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).
فهنا اتفق المسلمون على أنه إذا فعل واحداً منها؛ برئت ذمته، وأنه إذا ترك الجميع؛ لم يعاقب على ترك الثلاثة؛ كما يعاقب إذا وجب عليه أن يفعل الثلاثة كلها.
وكذلك اتفق العقلاء المعتبرون على أن الواجب ليس معيناً في نفس الأمر، وأن الله لم يوجب عليه ما علم أنه سيفعله، وإنما يقول هذا بعض الغالطين، ويحكيه طائفة عن طائفة غلطاً عليهم؛ بل أوجب عليه أن يفعل هذا أو هذا، وهو كما قال ابن عباس: كل شي في القرآن (أو)... فهو على التخيير، وكل شي في القرآن، فمن لم يجد؛ فهو على الترتيب، والله يعلم أن العبد يفعل واحداً بعينه مع علمه أنه لم يوجبه عليه بخصوصه.
ثم اضطرب الناس هنا: هل الواجب الثلاثة، فلا يكون هناك فرق بين المعين وبين المخير، أو الواجب واحد لا بعينه، فيكون المأمور به مبهماً غير معلوم للمأمور؟ ولا بد في الأمر من تمكن المأمور من العلم بالمأمور به والعمل به.
والقول بإيجاب الثلاثة يحكى عن المعتزلة، والقول بإيجاب واحد بعينه هو قول الفقهاء.

الصفحات