أنت هنا

قراءة كتاب نسيم الصبا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نسيم الصبا

نسيم الصبا

كتاب "نسيم الصبا" للمؤلف أبن حبيب الحلبي، يضم ثلاثين فصلاً في مقاصد مختلفة من الآداب، وموضوعات متعددة ينتظمها خيط الوصف؛ حيث تتناول بعض الفصول مفردات الطبيعة مثل الفصل الأول "في السماء وزينتها"، والفصل الثاني "في الشمس والقمر"، والفصل الثالث "في السحاب والم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 10
الفصل السادس -في البحر والنهر
 
هزتني رياح الأمل البسيط، إلى امتطاء ثبج البحر المحيط. فأتيت سفينة يطيب للسفر مثواها،وركبت فيها " بسم الله مجراها ومرساها " ، موقناً بأن المقدور صائر، معرضاً عن قول الشاعر:
 
لا أركب البحر أخشى ... علي منه المعاطب
 
طين أنا وهو ماء ... والطين في الماء ذائب
 
يالها سفينة، على الأموال أمينة، ذات دسر وألواح، تجري مع الرياح، وتطير بغير جناح، وتعتاض عن الحادي بالملاح. تخوض وتلعب، وترد ولا تشرب. لها قلاع كالقلاع وشراع يحجب الشعاع، وسكينة وسكان ومكانة وإمكان، وجؤجؤ وفقار، وأضلاع محكمة بالقار وجسم عار من الفؤاد، وهو في عين الماء بمنزلة السواد، بعيدة ما بين السحر والنحر، من أحسن الجواري المنشآت في البحر. معقود بنواصيها الخير كالخيل لا تمل من سير النهار ولا من سرى الليل:
 
ما رأى الناس من قصور على الما ... ء سواها تسير سير القداح
 
كأنها وعل ينحط من شاهق، أو عرباض سابق يحثه سائق، أو عقرب شائلة، أو عقاب صائلة. أوغراب أعصم، أو تمساح أو أرقم، أو ظليم ثفر في الظلام، أو جواد فر مستنكفاً من صحبة الأنام. حاكمها عادل في حكمه، عارف بنقض أمرها وبرمه، يهتدي بالنجوم، ويبتدىء باسم الحي القيوم، يبرز من نواتيها في جنود،يشمل إحسانهم أهلها أيقاظاً وهم رقود. يتأنفون فيما يعمرون، ويفعلون ما يؤمرون:
 
يكثرون الصياح حتى كأن الس ... فن تجري من خوف ذاك الصياح
 
فبينما نحن من البحر في قاموسه،كتب الجو حروف الغيم في طروسه، وثارت ريح عاصف، يتبعها رعد قاصف. فمالت بنا الفلك واضطربت، ودنت شفتها من رشف الماء واقتربت، واستمرت ترفع وتخفض، وتقرب وترفض،وتعلو على الأوتاد، وتهيم في كل واد، وتحوم وتحول، وتجود وتجول، وتضرم في الكبود نار ناجر، إلى أن بلغت القلوب الحناجر:
 
ألا فارجه واخشه إنه ... هو البحر فيه الغنى والغرق
 
ثم نظر إلينا من لا تخفى عليه السرائر، وأمر الجارية بحمل العبيد إلى بعض الجزائر، فلم ندر إلا ونحن تجاه جزيرة، تسر النفوس بمحاسنها الغزيرة، فانحدرت ماضياً إلى بينها، نائياً عن السفينة وساكنيها، فوجدتها مخضرة الأفنان، مخضلة الكثبان، بها من الياقوت ما يرجع خاسئاً مناويه، ومن الأشجار ما يحمل الفواكه والأفاويه. وبين رياضها نهر شديد الخصر، أرضه ذهب وحصباؤه درر،وأمواجه عكن و داراته سرر:
 
عذب إذا ما عب منه ناهل ... فكأنه من ريق خود ينهل
 
لين الأديم، مزاجه من تسنيم، يصقله الصبا ويفركه النسيم، فكأنه دروع موضونة، أو مبارد مسنونة، أو دمع يتسلسل، أو أفاع تتملل، أو ذوب فضة يسيل، أو صفحة سيف صقيل، أو لوح بلور مرقوم، أو رحيق بالمسك مختوم:
 
وكأن الطيور إذ وردته ... من صفاء به تزق فراخا
 
إن مالت إليه الغصون فالشخوص ترقص في الخيال، وإن كرعت منه الظباء فالغيد يرشفن من ثغور أترابهن الزلال. وإن أشرقت عليه النجوم خلت الفلك يدور في أرجائه، وإن تجلى له البدر حسبته قلباً خافقاً بين أحشائه. قال " مؤيد الدين الطغرائي " :
 
والشمس إن وافته رأد الضحى ... حسناء في مرآته ناظره
 
أنموذج الماء الذي جاءنا ال ... وعد بأن نسقاه في الآخره
 
فلبثت فيها مدة، مفكراً فيما رأيت من الفرج بعد الشدة، مؤمناً بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره، واقفاً على شكر من تجري الفلك في البحر بأمره:
 
ربما تجزع النفوس لأمر ... ولها فرجة كحل العقال
 
ولم أزل بها في أحسن حال، وأرغد عيش وأنعم بال، إلى أن حرك الله مني ما كان ساكناً، وأدخلني مصر بمشيئته آمناً.

الصفحات