كتاب "نسيم الصبا" للمؤلف أبن حبيب الحلبي، يضم ثلاثين فصلاً في مقاصد مختلفة من الآداب، وموضوعات متعددة ينتظمها خيط الوصف؛ حيث تتناول بعض الفصول مفردات الطبيعة مثل الفصل الأول "في السماء وزينتها"، والفصل الثاني "في الشمس والقمر"، والفصل الثالث "في السحاب والم
قراءة كتاب نسيم الصبا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
الفصل الثاني -في الشمس والقمر
بكرت يوماً بعد أداء الفرض، أتفكر في خلق السموات والأرض، فلمحت المشرق بالنظر، وإذا قرن الغزالة قد ظهر، كأنه جذوة نار، أو قطعة من دينار، أو كأس سُتر بعضه بالحباب، أو حسناء غطت وجهها بنقاب، ثم كشفت أستارها، وألقت على الأفق أنوارها، وبرزت كأنها كرة في ميدان، أو مجَنّ دولاب ضمخ بالزعفران، أو مرآة لم تصقل ولم تطرق، أو وجه المليحة في خمار أزرق، أو سبيكة زجاج منتفخة الجوانب، أو بُودقة يحرك فيها ذهب ذائب.
وكأنها عند انبساط شعاعها ... تبر يذوب على فروع المشرق
فقلت أهلاً بالجارية، التي في طلعتها ما يغني عن الجارية، والعين التي تغار منها العين، والجونة التي وضح منها الجبين، والسراج الوهاج التي تبرجت بها الأبراج، أنت المخصوصة بالشرف والرفعة، أنت واسطة عقد الكواكب السبعة، أنت للحكمة برهان، وللفلك معيار وميزان، أنت الناطقة في صمتها، التي قصر البليغ عن وصفها ونعتها، أنت ملك مقدم، أنت النير الأعظم، أنت يوح التي تغدو في مصالح العالم وتروح، أنت ذكاء التي ذكت نارها، أنت الضحى التي علا منارها، أنت الشمس، التي بها تعرف الأوقات الخمس، بك ينشر الظل ويطوى، ويشتد النبات بعد ضعفه ويقوى ، ويستدل على طريق الصواب، ويعلم عدد السنين والحساب، لما سفرت رافلة في الحلل المعصفرة، حيت آية الليل وجعلت آية النهار مبصرة، وناهيك بها منزلة، وحسبك أن صفاتك في الكتاب منزلة، ثم تمشت على بساطها وخطرت في وشيها ورياطها، وسبحت في فلكها مرشدة إلى الحقائق، مظهرة أسرار الساعات والدرج والدقائق.
تسمو إلى كبد السماء كأنها ... تبغي هناك دفاع أمر معضل
واستمرت سائرة يحدوها مر النسيم " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " .
فلم يزل فكري يصاحبها، وطرفي يرعاها ويراقبها:
حتى إذا بلغت إلى حيث انتهت ... وقفت كوقفة سائلٍ عن منزل
ثم انثنت تبغي الخدورَ كأنها ... طيرٌ هفا لمخافة من أجدل