قراءة كتاب نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

كتاب "نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة"، كتاب نقدي للأكاديمي العراقي د. نجم عبد الله كاظم، صدر عام 2013 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وحول كتابه الجديد يقول  د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

المقدمـــة

( 1 )

أتى دخولي إلى الوطن، العراق لأول مرة بعد نكبة سقوط بغداد بثلاثة أشهر، وتحديداً في تموز من العام 2003، وفي أعقاب سبع سنوات من الغربة والبعد عنه وعن الأهلوالأحبة· وللقارئ أن يتوقع حجم ونوع الأحاسيس والعواطف والانفعالات التي كان لا بدّ من أن تتفاعل وتصطخب في داخلي آنذاك، وكما يمكن أن تكون في داخل أي إنسان في طريقه إلى وطنه بعد غياب طويل، مضافاً إلى ذلك أن يكون الوطن حينذاك في ظل الاحتلال· والواقع لم أكن قادراً حينها على تصور اللقيا، فقد اصطخبت في ذهني وتلبست مشاعري أسئلة عديدة تتمحور حول الوضع الذي لم آلفه: كيف سأجد الوطن بعد سبع سنوات لم أره خلالها؟ كيف سيكون في ظل أول احتلال مباشر له في أكثر من ثمانين عاماً، وأول احتلال سأراه في حياتي؟ وكيف ستكون مشاعري وأنا أرى المحتل؟ وكيف سأتصرف حين لا يكون من طريقة لتلافي اللقاء بجنوده؟ إلى غير ذلك من هذه الأسئلة· وتفجرت تلك الانفعالات بعنف وارتبكتُ أيّما ارتباك مع أولى خطوات أخطوها على تراب الوطن عابراً الحدود البرية، حين لمحت أول مظهر كنت أُمنّي نفسي عبثاً بأن لا أراه، عسكرياً أمريكياً يقف إلى جانب بضعة موظفين عراقيين· كان الوحيد الذي يحمل سلاحاً طالما رأيته في الأفلام السينمائية والوثائقية والإخبارية على شاشات التلفزيون يحمله الأمريكيون، عسكريين وغير عسكريين، ويفعلون به كلَّ ما هو مسموح وممنوع مما قد يتعدى لا الواقع الذي نعرفه فحسب، بل حتى المديات التي تصل إليها مخيّلاتنا، حين يكون هناك إنسان واحد فقط هو الفرد الأمريكي، وكل من عداه قد يقتربون، ضمن أُطر تعامل ذلك (الإنسان) الأمريكي معهم، من الإنسان وقد لا يقتربون· وهنا، وفي ظل خوفي على بلدي وأناسي، تذكرتُ رسالة قائد عسكري أمريكي إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بعد احتلالها للفلبين نهايةَ القرن التاسع عشر· ففي سنة 1898 اجتاحت القوات الأمريكية الفلبين بدعوى جلب الديمقراطية إليه، وعندما قاومها الفلبينيون، خاطب الجنرال الأمريكي سميث جنوده قائلاً: إنني لا أريد أَسرى·· أريدكم أن تحرقوا وتقتلوا، وكلَّما زدتم في الحرق والقتل جلبتم السرور إلى قلبي· وفعلاً ارتكبتْ القوات الأمريكية جرائم بشعة، مستخدمةً ضد الفلبينيين الحرب الجرثومية، فنشرت بينهم الكوليرا، وقتلت مئات الألوف منهم، ليكتب الجنرال الأمريكي بعد ذلك رسالة إلى رئيسه قائلاً فيها: أُطمئنكم بخلوّ البلاد من المقاومين الفلبينيين، لأنه لم يعد هناك أصلاً من وجود للفلبينيين
وهكذا كنتُ قد نويت الابتعاد عن ذلك العسكري الأمريكي، ولكني لم أعرف كيف أتصرّف وقد تفجّر الغضب في داخلي حين وجدتني مضطراً إلى الاقتراب منه، إذ كان يقف قرب شباك خَتْم جوازات السفر· ولكن عند اقترابي منه بادر إلى سؤالي بودّ غريب: هل أنت من العائدين إلى الوطن؟ فأجبت بكلمة واحدة: نعم· فعاد ليقول بالود نفسه: أهلاً بك في وطنك· وأحسسته يركّز على (وطنك)، وعندها فقط تأملته فانتبهت إلى حداثة سنه·· كان في الواقع صبياً أكثر منه رجلاً مقاتلاً، فتوقعت أن يكون مجنداً وليس عسكرياً محترفاً· في الواقع هو، أكثر من ذلك، بدا واضحاً، وهو يكلمني، يحاول أن يكون ودوداً، بل لا أبالغ إن قلت كان خجولاً ومتردداً· هنا نبعت في داخلي، إلى جانب الغضب والحقد الطبيعيين عليه محتلاً، رؤيةٌ إنسانية يتمثّل لي من خلالها، إلى جانب المقاتل المعتدي المحتل والمهين لوطني، الإنسان العادي أيضاً الذي يمكن أن يكون، ومن الطبيعي أن يكون، في أمريكا وبين الأمريكيين، وقبل ذلك أو بعده في الغرب وبين الغربيين·
من هذه التجربة الإنسانية القصيرة، وهذه الرؤية المزدوجة، المتناقضة ظاهرياً، بدأتُ التفكير في البحث في هذا الجانب· ولأن الوعاء الأكثر غنىً خارج نفس الإنسان ذاته، تعلقاً باصطراع مثل هذا الذي اصطرع في داخلي، كان الأدب، الذي هو بالطبع المعبر عن النفس الإنسانية، ولتخصصي واهتمامي الأدبي والنقدي بالدراسات الأدبية المقارنة عموماً وبموضوعة الآخر أو (نحن والآخر)، انطلقتُ في تأليف هذا الكتاب، الذي يأتي بعد سلسلة عديدة من المقالات والأبحاث في الموضوع، يساعدني في ذلك أنني اشتغلت فيه وأنا في أحد مواطن الآخر، أعني بريطانيا حيث كنت أقضي سنتين، 9002-2011، أستاذاً زائراً في معهد الدرسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر جنوب إنكلترا· ولكن لأن هذه الموضوعة تحديداً تنبثق منها أو تسبقها موضوعةٌ لا يمكن، في هذه الحالة، تجاوزها، حتى وإن لم تكن هي محط عنايتي، تلك هي لقاء الشرق عاماً أو إسلامياً أو عربياً، والغرب عاماً أو أوروبياً أو أمريكياً، فقد كان لا بد من التوقف باختصار عند هذه الموضوعة أو الجانب·

الصفحات