أنت هنا

قراءة كتاب ألقيت السلاح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ألقيت السلاح

ألقيت السلاح

كتاب " ألقيت السلاح " ، تأليف ريجينا صنفير ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدِّمة الطبعة العربية

بقلم الدكتور جورج قرم

إنَّ اللبنانيين محرومون من أية مراجعة نقدية، إنسانية وأخلاقية وجدية، بشأن ارتكاب الجرائم الجماعية المتواصلة في وطنهم في فترة ما بين 1975-1990. هناك أدب وفير ونظري حول ضرورة الوصول إلى السلم الأهلي الدائم عبر التربية على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار المنظَّم و...و...و... وكل ذلك كلام في الهواء، له فقط أثر مخدِّر لسببيْن رئيسييْن. إنَّه يعطي الإنطباع بأنَّ التكفير عن الذنوب والجرائم الفظيعة المرتكَبة في لبنان يمكن اختصاره في تسويق الأفكار المجرَّدة عن السلم الأهلي وضرورة تخطي الوضع الطائفي وحماية المجتمع المدني من الانزلاق مجدداً في التقاتل الشرس بين أهل البلد الواحد من جهة، وهو يعفي ضمنياً الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم البشعة بحق شعبهم من أية مسؤولية أخلاقية، معنوية، جزائية، لما أصاب المواطنين والوطن من جرَّاء جرائمهم المتواصلة على مدى خمسة عشر سنة، من جهة أخرى.

أما وصف حالات الهستيريا الإجرامية التي أدَّت إلى هذا التقاتل الوحشي الذي نشب بين تنظيمات مسلَّحة اختطفت الطوائف وسجنتها في أحياء المدن وزواريبها، وفي البلدات الريفية، فقلَّما تمَّ التطرُّق إليه وبشكل هامشي في المؤلَّفات حول الحرب، مع العلم أنَّه شرط مسبَق لإرساء دعائم الحالة التي تمنع تكرار هذه المآسي الإنسانية وحالات انهيار الأخلاق الخاصة والعامة. وهذا السكوت ظاهرة ملفتة للنظر، خاصةً وأنَّ تاريخ لبنان المعاصر منذ بدايات القرن التاسع عشر يتميَّز سلباً عن غيره من المجتمعات بموجات من مثل هذا العنف الجماعي، تتكرَّر بعد فترات قصيرة أو طويلة من الاستقرار والوئام. فلْنذكر الفتن الكبرى التي تتالت في تاريخنا: 1840، 1860، 1958، 1975، 1990.

مؤخراً صدر للصديق الكاتب والشاعر ذي الأحاسيس المرهفة صرخة مدوِّية تحت عنوان "القاتل إن حكى" (1). وهذا كتاب يجب أن يُقْرأ داخل كل عائلة وأن يُناقش من قِبَل الآباء وأبنائهم لأنَّ هذه المحاولة الأولى الجدية النابعة من عمق ضمير المؤلِّف لسبر غور ما حصل من جرائم فظيعة، خاصةً بحق الأبرياء المسالمين الذين لم يحملوا السلاح والذين أصبحوا عرضةً لكل أنواع التنكيل والتعذيب والقتل وتشويه الجثث والخطف دون رجعة إلى المنزل والموت بفعل قذيفة مجنونة اخترقت جدران البيت الآمن؛ وكلُّها أعمال لا يمكن أن يقبلها أي ضمير حتى في مستوياته الدنيا. ومع ذلك لم يعتذر أحد من الذين أطلقوا نمط العنف هذا وأعطوه شرعيته وجعلوه مشهداً يومياً اعتيادياً، وهذا ما يجعل نصري الصايغ يصوِّب أكثر صرخته ضد هؤلاء لأنَّهم هم المجرمون الفعليون. ويذكر نصري الصايغ في كتابه بشيء من التفصيل اعترافات والتوبة الصريحة والجريئة المكتوبة من قِبَل اثنيْن كانوا قد انخرطوا في ميليشيا القوات اللبنانية هما أسعد شفتري، وكان قائداً عسكرياً حمل السلاح، وصاحبة هذا الكتاب وهي كانت تعمل في الجهاز الإعلامي للقوات. بادر الأول إلى كتابة مقالٍ يطلب فيه الغفران من اللبنانيين لما فعله. أما مؤلِّفة هذا الكتاب القيِّم فهي قامت بوضعه باللغة الفرنسية منذ سنتيْن ويطيب لي أن أقدِّمه في طبعته العربية لما يحتويه من سيرة ذاتية صريحة، مروية بشكل معمَّق وذي دلالة للقارئ الذي لم ينخرط لا من قريب ولا من بعيد في صفوف الميليشيات المسلَّحة، سواءً كمحارب أو كعنصر مدني مساعد. وليس هذا أوَّل كتاب لريجينا صنيْفر، إذْ أقدمت عام 1994 على وضع مؤلَّف باللغة الفرنسية أيضاً حول "الحروب المارونية" صدر في باريس (2) وتشرح فيه ما حصل من اقتتال مدمِّر داخل الطائفة المارونية التي تنتمي إليها، ذلك أنَّ هذا الإقتتال ونتائجه كان الصدمة التي هزَّت ريجينا صنيْفر والشرارة التي جعلتها بالتدريج تعيد بشكل نقدي صارم تجربة انخراطها في التنظيم المسلَّح نفسه.

أمّا ميزة هذا المؤلَّف لريجينا صنيْفر الذي يحمل عنواناً معبِّراً للغاية، فهو مستواه الفكري والوجداني في آنٍ معاً والذي يشير بما لا لبس فيه إلى أنَّ المؤلِّفة قد بلغت مستوى من الصفاء الكبير الناتج عن استيعابها للتجربة المُرة التي مرَّت بها، ممّا سمح لها بالخروج من التعقيدات والآلام النفسية التي سبَّبها انتماؤها لهذا التنظيم. صحيح أنَّ ريجينا صنيْفر لم تحمل السلاح ولم تتسبب مباشرة بإيذاء الناس بالسلاح، إنَّما لا تتهرَّب من المسؤولية المعنوية الكبيرة كونها تبنَّت مبادئ ودوافع وأهداف التنظيم المسلَّح التي انتمت إليه. وقد أدَّت هذه العقيدة والممارسات الميدانية المبنية على العنف إلى خراب الطائفة والوطن وليس إلى الدفاع عنهما كما كانت تتصوَّر أنَّها تفعل عندما رمت نفسها في أحضان التنظيم المسلَّح معتقدةً أنَّها تخدم الوطن والطائفة التي تنتمي إليها. ومن هذا المنظور أهمية هذا المؤلَّف.

صحيح أنني أتذكَّر مؤلَّفيْن قد صدرا منذ سنين باللغة الفرنسية من صحفيين فرنسيين أجروا مقابلات مع مقاتلين ومحاربين تلطخت أيديهم بالدماء ـ وهذا طبعاً ليس وضع ريجينا صنيْفر التي لم تكن مقاتلة ـ غير أنَّ الكتابيْن اللذيْن قرأتُهما لم يكن لهما أي محتوى أو عمق فكري وتحليلي. فالأوَّل كان يحتوي على اعترافات أحد أبطال السبت الأسود عام 1975 الذي كان قد أصيب بفاجعة قتل اثنيْن من أبنائه عمداً على أساس الهوية الطائفية خلال مدة قصيرة، فانفجر هذا الأب المفجوع غضباً طائفياً بشعاً ومجنوناً أودى بحياة العديد من المواطنين في هذااليوم المشؤوم (3)؛ أما الثاني فقد حمل عنواناً براقاً Même les tueurs ont une mère بما يعني أنَّ حتى القاتلين لهم أمهات حيث يروي أحد الصحفيين الفرنسيين الجرائم المتتالية التي ارتكبها أحد المسلَّحين في إحدى الميليشيات وينقل إلى القارئ مشاعر هذا المسلَّح الشرس.

الصفحات