أنت هنا

قراءة كتاب صرة المر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صرة المر

صرة المر

كتاب " صرة المر " ، تأليف عبد السلام صالح ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

وصل أول

لا أزالُ أذكرُ وجههُ الذي يشعُّ بالبِشْرِ،لا أزالُ أذكرهُ وأحبهُ على الرغم من كل ما حدث..
كنت أحضِّر له وجبة الغداء وأحملها إلى دكانِ بيع القماش الذي لم يعد يشتريه أحد في الفترة الأخيرة، وظلّ يصرّ على الذهاب إليه، يفتحهُ ويبقى هناك من الصباح وحتى المغيب.
كنتُ أحضِّرُ له غداءهُ، فيبتسمُ لي كما دوماً، لم يعد يحملني كما كان يفعل عندما كنتُ طفلةً صغيرة، فقد صرتُ صبيةً في الخامسة عشرة من عمرها، ومنذ أن تفتّح (زهرٌ كثيرٌ) صار كل شيءٍ مربكاً، اختلفتُ أنا وصرتُ أرتبك، ثم انتبهت أنني لم أكن وحدي من صار يرتبك، ارتبكوا جميعاً، حتى هو صار يرتبك، وبات ارتباكهُ واضحاً، صارت نظراته إلي تتحوّر وتتحول إلى شيء لم أكن أفهمه في البداية، ثم صرتُ أُؤوِلُهُ كما شاءت طفولاتي، إلى أن رَجَّحت أيائلُ رغباتي الشقية، وصرتُ أنتبهُ أكثر، وألتفت اليه فجأةً، لأجدهُ ساهماً، مسروقاً، أو ساكناً هو ونظرهُ وكلُّهُ إلى تفصيلةٍ أهملتها من لباسي أو جسدي، صرتُ أنتبه إلى أنه ينظر إلي بشكلٍ غريب، ولم يكن بروحي أي ارتيابٍ بشيء، إنما استمرار وتواصل نظراته. لقد أجبرني على الانتباه، على الرغم من أني حاولتُ مراراً أن أهملها، حتى صارت تتعلقُ بي وترافقني. فبعد أن أخرج من دكانه وأذهب، تظل تلك النظرات ترافقني، أطردها لتعود، لأطردها، إلى أن فقد قدرتهُ على ضبط نفسه بعد أن اكتملت أُنوثتي، وتكوّرت أشيائي كأجمل تكورٍ نافرٍ ومستفز، وكنتُ أهملها، لم أكن أخجل منها لأُخبئها، ولم اكن أتباهى بها لأُبرزها، إنما هي الأشياء تتكوّنُ وتنفرُ وحدها، وصرتُ أضحك... هل من المعقول، هل من الممكن.
ومع تكرار ذهابي وإيابي اليه، صارت الأمور تتضح أكثر، صارت أكثر من واضحة، حتى صارت ضحكتي التي كنت أكتمها لتنتظرني على زاوية دكانه تماماً، ما أن آخذ خطوتي الأولى في الغياب عن نظره، أضحك وأمشي بسرعة، أضحك ولا أدري لماذا، أضحك وأدري...
لذاك الوقت، كنت أرى وأضحك، إلى أن صار يضع بعض الأواني والأدوات على يمينه في عمق الدكان، حيث يجلسُ هو في وسطه على كرسيه خلف الطاولة، ويطلبُ إليَّ أن آخذها معي إلى البيت، كي اضطر للمرور في الممر الضيق بينهُ وبين الطاولة؛ كنتُ أمرّ وأُدير له ظهري، انحشر وأمرُّ على مهلٍ، أمرّ بأناةٍ، حريصةً على أن لا يرتطم جسدي بأشيائه التي يضعها على الطاولة. كان جسمي من الخلف يمرُ تماماً أمامه، كان يَمِسُّ ويُمَس، كان يجسُّ ويجسّ. ثم صار يرسمُ الأشياء ويوزع الأثاث، ويلقي بأشياء على الأرض بجانبه أو تحت كرسيه الذي يعيده إلى الخلفِ قليلاً كي ينثني جسدي عندما ألتقطهُ له وأعيده، خصوصاً عندما تكون فتحةُ الصدر عندي أوسع قليلاً، وتظهر أكثر عند انثنائي لالتقاط أشيائه الصغيرة... كان يبدعُ في قسري على الإتيان بحركاتٍ تظهرُ مفاتن جسدي... ولغاية الآن كنت أضحك وأحبه، بل كنت أفهم عليه واستجيب له استجابةً نموذجية... ماذا سأخسرُ إن استطعتُ إسعاده، ثم صار يفتعلُ احتكاكاً سريعاً بي، كأن يضعُ راحتهُ أو راحتيه على إليتيّ عندما أمرُّ محشورةً بينه وبين الطاولة، ويسحب جسده إلى الخلف كي أمرّ. كان يمسُّ جسدي سريعاً، بخوف،بارتباك، برجفة، بترددٍ، بوجلٍ، قليلاً، ثم صار يطيلُ ثوانيه تلك، ثواني احتكاكه أو مسّه غير المقصود، ثم صار المسُّ جسّاً سريعاً، ثم صارت تصاحبُ جسَّهُ حركةٌ، كأنه يتحسسُ سريعاً، ثم علا جنوناً ما، فصار يضغطُ الأشياء براحتيه... صار يعبثُ... إلى أن صار يعاركني مازحاً كي يطال، يفتعلُ مشكلةً ويعاقبني بطريقته الخاصةِ من ضربٍ خفيفٍ إلى قرصٍ أو فرك جزء ما يستفزّهُ من جسدي... وهنا عاد ارتباكي إليّ، لم أعد مرتاحةً لحراكي معه، صرتُ مرتبكةً ولم أعد أضحك فقط، صرتُ أضحك وأبكي في طريق عودتي إلى البيت، واحترت،ماذا أفعل؟ هل أواصلُ تماشيّ معه، هل أواصلُ انسياقي... هل ثمة ما أخسره.
لم يكن يستشيرني، كان يرتبُ أشياء متعته وتفاصيلها بدقةٍ واحتراف، كان دوماً يبادرُ ويفاجئني بوضعٍ جديد، بشيءٍ جديد...
جسدي بيت التواطُؤات، منجمها، منه الابتداء وإليه المنتهى...
لذا صرتُ أتواطأُ معي ومع الجميع بكل أشيائهم، تواطأتُ وسكتُّ عن كثير من الأشياء التي صارت تحدث معي منذها، وأنا للآن لم أبُح بأي شيء حدث بيني وبينه بعد ليلة الصيف تلك، والبيتُ خالٍ إلا مني ومنه، لأنَّ كل ما حدث ليلتها، وما بعدها، لم يكن إلا حلم ليلة صيفٍ لرجلٍ يغادرُ العمر متجهاً نحو الانتهاء؛ ربما يكون هذا الحلم قد تواصل بعدها ليلاً أو نهاراً، نوماً أو يقظة، إنما شيءٌ فيّ، في جسدي قرر أن يتواطأ معه، شيءٌ داخلي لم يكن يستطيع منعه من أن يفعل بجسدي ما يشاء، تناقضٌ حاد كان يصطرعُ في داخلي، وقوى جذبٍ بألف اتجاه تحاول سحبي لموقفٍ، لفعلٍ، لرأيٍ، إنما ظللتُ ساكنةً حين كانت يداهُ تجوسان كل مسامٍ في جسدي، وكنتُ أفتعلُ النوم حيناً وأقيمُ في إغفاءاتي تلك، وهو يذرفُ كل رغباتِهِ وشهواته على جسدي. لقد كان يعرفُ أنني فقط أُغمضُ عينييَّ ولستُ نائمةً؛ ربما يكون هذا هو ما شجعه على الاستمرار والإيغال، ربما شعر أنني كنتُ استمتع بيديه وأصابعه تجوسُ الإثارةَ الكامنة في جسدي وتشعلُ فيّ كل جنون، ربما لمح طرفَ ابتسامةِ رضى مرسومةٍ على أطرافِ غفوتي، ربما شكّل ارتخاء جسدي أو انفراجُهُ ليديه وجسده، ربما طُرقُ تقلبي التي كانت لأي شيءٍ سوى إبعاده أو طلب التوقف عن الفعل....
جسدانِ محرّمانِ يفعلان الفحش مُغمِضين منهما كلّ العيون، وجينات الجنون تقود التيه والعبث والاصابع، بِمَسِّها اللذيذ تقترب أكثر لتغطي العري وتمد يدها نحو ملابسي الداخلية، تغطيني لتنزع ملابسي عني وتجوس هناك في الأنهار، ينلمسُ الشفا لأصير أخرى غيري تنادي النفي فيّ، ذاك النفي الذي أُلقيتُ في جُبّهِ ورُميتُ به منذُ تَكور نهداي، وتكور كل شيءٍ في جسدي، رُميتُ وحدي هناك، ولم ينتبه إليّ أحد، كلهم كانوا يزيحون النظر عني، ولم يكلمني أحدٌ عنه، حتى صار هو لعبتي التي أُعابثها فترسلني لإثارةٍ أجملُ من أي شيء في الوجود؛ متعة لا مثيل لها، موتٌ جميلٌ وخدرٌ لذيذ، جنانٌ مطلقةٌ وأحاسيس فذةٌ ولذاذاتٍ وذرى قمم، وقمم عوالمَ كانت ترسلني إليها يداي وأنا أعبثُ وحيدةً في جسدي... فبماذا سأشعرُ عندما يُزالُ عني تعبُ الفعلِ والركضُ وراء المتعةِ، عندما لا يكون مطلوباً مني سوى أن أستلقي وأغمض عينيّ، ويفعلُ آخرُ بي أكثر مما كنتُ أفعل، يوصلني لأكثر مما كنت أصل، يوصلني ويقطِّعني بألف قطعٍ ووصلٍ ووصول، ويَصلُ أشياءهُ بي، كل أشيائهِ الموصلات، لأكتشف أن كل الذرى التي كنتُ أتوهمها ذرى، ليست إلا عتباتٍ صغيرةً، ما أن يعتليني حتى أراها، حتى يوصلني لها وبها...
كان عبثي بي هو الموت، فصار عبثهُ يرسلني لما بعد الموت، لما فوق القمم، لذا كنتُ أفتعلُ النوم، كنتُ أنامُ راضيةً أو بجسدٍ راضٍ، ولم يكن شعور الذنبِ يمرُّ إلا لماماً، كان يمرُّ بخاطري مرور السحاب.

الصفحات