قراءة كتاب أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

عندما شرعت بالكتابة عن أبي القاسم الشابي، كنت أعرف، أن عدداً من الكُتّاب والمؤلفين والباحثين كتبوا عنه، وبجدية عالية، ولكنني عندما راجعت هذه المؤلفات وتمعنت فيها وجدت أن كل واحد تخصص في جانب معين، فبحث فيه واستقصاه قدر استطاعته وإمكانياته، ورأيت حينها أن ال

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 4
مرض الشابي
 
كان مرض الشابي يشكل أكبر مأساة له، ويبدو أنه كان يعلم بمرضه لكن أعراض الداء لم تظهر واضحة إلا عام 1929، فكان منذ بداية عمره عليلاً ضعيف البنية نحيلاً، لكن علّته لم تظهر آثارها إلا في السنوات الست الأخيرة من حياته، تلك التي كانت ذروة إنتاجه الأدبي.
 
وعندما عرض عليه والده الزواج لم يجد بدّاً من مراجعة الطبيب واستشارته فذهب بصحبة صديقه زين العابدين السنوسي إلى الدكتور محمود الماطري فوصف الطبيب له حقيقة مرضه، وحذّره من عواقب الإجهاد الفكري والبدني، حيث كان الشابي يشكو من انتفاخ في قلبه، وكانت حالة الشابي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بسبب تقادم المرض عليه، وضعف بنيته، ثم بسبب تقلب أحوال حياته. أضف إلى ذلك إهماله لنصائح الأطباء باستثناء ترك النشاطات البدنية كالجري والقفز وتسلق الجبال وهذا ما صرح به الشابي نفسه في إحدى يومياته 1930 حين كان يعبر بعض الضواحي: «ها هنا صبية يلعبون بين الحقول، وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنّى لي ذلك، والطبيب «يحذّر» علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه ! يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني، وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية»(1). وهذا القول من الشابي يعني أنه كان على علم بمرض قلبه وكان يتألم من ذلك كثيراً. ثم وصف الدكتور محمد فريد غازي مرض الشابي فقال: «إن صدقنا أطباؤه، قلنا إن الشابي كان يألم من ضيق الأذينة القلبية أي أن دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً... ولعل الشابي أصيب بهذا الضيق وهو صغير السن، ضاق قلبه، وضاقت رئته، فلم يعد يتنفس تنفساً عادياً» وهذا أيضاً ردّ على من تخيل أن مرض الشابي كان «مرض السل» أو قال إنه كان مصدوراً. وقد شعر الشابي بآثار المرض حين وضح في يومياته ذلك بقوله: «أشعر اليوم - 14/1/1930 - بفتور في بدني، وتوعّك في مزاجي لا أدري مأتاه»(2).
 
لقد أشرف على علاج الشابي عدد من الأطباء وكان منهم الطبيب التونسي الدكتور محمود الماطري الذي ذكرناه سابقاً والطبيب الفرنسي الدكتور «كالو» ولمدة طويلة وأثبتت سيرته المرضية عندهما، وكان إجماع الأطباء له العيش في مناطق معتدلة ومناطق جبلية، ولذلك وجد نفسه مضطراً إلى التنقل بين مصايف تونس ومشاتيها، وقد ذكر محمد الأمين الشابي شقيق الشاعر أن أخاه لم يكن يغادر توزر بعد زواجه واشتداد أعراض مرضه إلا في الصيف لزيارة المصايف الجبلية. ونقل أيضاً صديقه زين العابدين السنوسي عن محمد الأمين الشابي أن نوبة أصابت أبا القاسم في عام 1930 فقال «كان يعتلج من ضائقة صدرية من ذات القلب فزعت لها أمه وزوجه وأخواه عندما كان أبو القاسم (يخزر) (3) لهم بعينين لا ترجوان معونة من أحد، إلا من قلبه لو استعاد اتزانه... نوبة دامت ساعتين يقلّب في أثنائها وجهه ولا ينبس إلا بقطرات من العرق... ونحن نشرئب لنغيثه بشيء يطلبه، ولا ندري ما هو، ساعتين من هذا الفزع الجهيد تقريباً... ثم هجعت النوبة ... ثم تكلم منشرحاً صوته انشراح من حطّ وزره، ونزع الحمل الجهيد وبادرنا للاستجابة لأمره مغتبطين.

الصفحات