أنت هنا

قراءة كتاب الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي

الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي

يهدف هذا المساق إلى التعريف بالاصول والمرتكزات الفكرية ، والمرجعيات الفلسفية التي تقوم عليها مناهج البحث في الفكر الغربي،وبيان أن مناهج البحث ترتكز كليا على المقولات الاساسية التي تشكلها الرؤية الكلية وتصبغ عليها صبغتها ،وعليه يصبح القول بان هذه المناهج تقو

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

قواعد المعرفة عند أبيقور :
يعد أبيقور آخر أقطاب فلسفة الذرة في اليونان وقد قسم فلسفته إلى ثلاثة أقسام هي قواعد المعرفة ، وتفسير الطبيعة ، والأخلاق، ويأخذ أبيقور في تفسيره للمعرفة بنظرية حسية مطلقة فيذهب في تفسير معيار الحقيقة بأنه الإحساس، وكل إحساس صادق بالضرورة ولا شك فيه. والصواب والخطأ لا يرجعان إلى الإحساس بل إلى الحكم العقلي الذي يقع على الإحساسات ويضاف إليها، وتكرار الاحساسات في الذاكرة يكون ما سماه أبيقور بالأفكار، والأفكار العامة أو التصورات العقلية التي نستخدمها في تفكيرنا هي تصورات تعتمد على جملة أحساسات سابقة كقولنا إنسان بعد أن يكون قد سبقت لنا رؤية عدد من أفراد الإنسان[17] .
وقد كان أبيقور يحاول أن يتحقق من صدق الاستدلال العلمي بالرجوع إلى طرق التشبيه والمقارنة، وكان يرى أن العملية المعرفية تنبني على مجموعة الإِحساسات التي تتكون في الذهن عن المحسوس، ودرجات التعرف به من خلال الملاحظة التجريبية التي تفرضها الطبيعية والتي تصبح بالضرورة واقعاً للتعلم والتكيف، فمثلاً يفسر أصل اللغة بناء على منظومته المعرفية هذه بأن اللغة لم توضع مرة واحدة بالاتفاق بل أن الطبيعة قد جعلت لكل قوم تجربتهم الخاصة، والمؤثرات الخارجية هي التي دفعتهم إلي إخراج أصوات من حناجرهم بشكل معين يرتبط بالانفعالات والظروف المختلفة فتكونت نتيجة لذلك لغة خاصة بكل قـوم.
ونجده أيضاً يعالج موضوع النفس من ذات المنحي، فيرى أنها مادية صغيرة للغاية منتشرة في الجسم كله وهي أشبه بنفس حار وهي علة الإحساس، ولكنها تنفصل عن الجسم والجزء العاقل منها يكون في الصدر، أما القول بأن النفس لا مادية فهو عنده غير مقبول لأنها لو كانت كذلك لما كان في مقدورها أن تؤثر أو تتأثر بالأشياء المادية[18].
وقصارى القول أن هناك دعامتين أساسيتين تستند إليها فلسفة أبيقور وهما النزعة الحسية في المعرفة التي تنتهي إلي نظريته في اللذة، والنزعة المادية في الطبيعة التي تنتهي إلي الخلو من الهموم والوصول إلي حالة ما أسماه الأتراكسيا مما يحقق الرؤية العقلية الصحيحة عن الأشياء، والتي يمكن بلوغها بالقضاء على المخاوف التي تغمر النفس الإنسانية بالقلق الدائم وعلى رأس هذه المخاوف خوف الموت، وتصورات الناس عن الخوف من الآلهة وعقابها المؤدى إلي آلام البشر، وعلى هذا فأنه لا يوجد هناك قدراً ولا قوة تملك للإنسان خيراً أو شراً، فالعالم نفسه وجد من تلاقي ذرات لا نهائية العدد تجوب خلاءً لانهائياً، وعليه أعتقد في حرية إرادة الإنسان المطلقة من أي مصير أو قدر مسبق لا اختيار له فيه، وأنه هو عبر تفاعله مع الطبيعة وضروراتها الصانع لحياته ومعرفته وعلمه.
زينون مؤسس الرواقية:ـ
كان زينون فينقي الأصل، وقد تأثر في رؤاه الفلسفية بطبيعيات هرقليطس ونظريته في النار وأنها جوهر الوجود الدائم التغير، وقد أخذ أيضاً بفكرة الاحتراق الكوني ثم عودة الدورة الكونية من جديد، وهي فكرة العود الأبدي التي قال بها أنبادوقليس وأعتقد فيها نيتشه في العصر الحديث[19]. وقد ذهب زينون إلي أن الأشياء في الطبيعة ذات شقين: أشياء تتعلق بنا وأشياء لا تتعلق بنا. والشق الأول: يمثل الآراء والميول والرغبات أي كل ما هو من صنع الإنسان، والشق الثاني هو الأجساد والخيرات والجاه والسلطان، أي كل ما ليس من صنع الإنسان، ومن الضروري توحيد هذين الشقين بعد فصلهما[20].
ولما كان الإنسان ضعيفاً لا يستطيع مطابقة الأشياء الخارجية لرغباته وميوله، فهو في نفس الوقت قوى حيث يكون في إمكانه جعل الأشياء المتعلقة به والتي هي من صنعه مطابقة للأشياء الخارجية. وما دامت الأشياء والحوادث طبقاً لذلك لا تقع إلا طبقاً لرغباتنا وإرادتنا وأحكامنا فأن الحياة الاجتماعية كما تقتضي الطبيعة من شأنها أن تهدم الحواجز السياسية ، باعتبارها قانوناً شاملاً للناس جمعياً ، والإنسان الرواقي بناءً عليه يصبح مواطناً عالمياً ، وتشيع بذلك فكرة المواطن العالمي[21] وكانت تلك أول دعوة لفكرة العالمية ، حيث تنادي الرواقية بتقويض دعائم الدولة المتعددة وتنوه بدولة عالمية شاملة هي دولة الإنسانية، حتى يغدو المرء من رعايا الإنسانية لا من رعايا دولة من الدول.
وقد أعتبر أرسطو زينون مخترع الجدل، لأنه اهتم ببيان الأضداد والمتناقضات فيما يبدو للناس متسعاً، والواقع إن الجدل عنده كان يتلخص في اختياره للقضية التي يسلم بها الخصم ثم يستنج منها نتيجتين متناقضين. وكانت معارضته الفلسفية موجهة إلي الذين كانوا يقولون بأن الأشياء كثيرة، ومعنى الكثرة هنا قد يفسر على إنها كثرة الموجودات المحسوسة، ولكن الكثرة قد تعنى أيضاً الافتراض العلمي الذي يفسر الجسم المحسوس بأنه مكون من عدة وحدات، ويقول في ذلك إذا سلمنا بوجود الكثرة في الأشياء فإنها ستبدو مشابهة لبعضها ومختلفة عن بعضها في آن واحد. وستبدو كبيرة وصغيرة ساكنة ومتحركة في آن واحد"[22].
ويتضح من هذا أنه يرى أن الاعتماد على الإدراك الحسي لا يوصل إلي حقيقة الوجود لأنه سوف ينتهي إلي تناقض، إذ ستبدو الأشياء تارة متشابهة وتارة غير متشابهة، وكان هدفه من بيان هذه المتناقضات هو إثبات أن الكل واحد وأن الوجود لا يمكن أن يتجزأ إلي كثرة من الوحدات كما أنه لا يوجد فراغ أو مكان يمكن التميز بينه وبين ما يحويه.
والمذهب الرواقي يقوم في أساسه على فن العيش المستند على وعي العلاقة مع الكون، والذي هو المدينة العالمية التي يتعايش فيها البشر والآلهة، والتي يرتبط كل واحد فيها بالآخرين ويحكمها القانون الإلهي الوحيد الذي تتغذي منه كل القوانين البشرية أو العقل الكلى الذي يعتبر كل لوجوس فرع منه، وعليه ينبني المفهوم الرواقي للحكمة والحكيم، وحيث لا يجد الإنسان الحكيم فيها مطلقاً حاجة لأن يدفع أو يقتاد، إنه يفهم ويستبق نوايا القدر، والممارسة الحرة لأرادته تقوده للاتحاد مع الإرادة الإلهية، وعليه فانه يعيش وفقاً للطبيعة[23].
وقد انتسب للرواقية كثير من الفلاسفة ، ويمكن تقسيمهم إلي ثلاثة عصور فلاسفة العصر القديم الذين قدموا الفلسفة الرواقية اليونانية، ثم ظهر في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد فلاسفة ادخلوها إلي العالم الروماني وهم الذين قدموا الرواقية الوسطى ، أما ثالث عصور الفلسفة الرواقية فهو العصر الروماني وذلك في القرن الأول حتى عام 529. وهو الوقت الذي أغلقت فيه المدارس اليونانية[24].
نظرية المعرفة عند الرواقيين:
أخذ الرواقيون بنظرية حسية في المعرفة، إذ تصوروا الذهن كالصفحة البيضاء، تأتيها الانطباعات الحسية من الخارج فتحدث التصورات أو التمثلات، غير أن العقل والإرادة يسرعان إلي التصور فيحكمان عليه ويسمى حكماً أو تصديقاً فإن كان التصديق مؤيداً للتصور بحيث يصل إلي يقين بمطابقة التصور لموضوعه كان هذا أول مراحل اليقين، والذي يوجد فيما يسمونه بالتصور المحيط، فإذا بلغ اليقين أعلى مراتبه بحيث تنظم المعلومات كلها في نسق واحد مترابط، كانت تلك مرتبة العلم والذي لا يتحقق إلا عند الحكيم[25] .
وقد قال الرواقيون بوجود معان شائعة بين الناس جميعاً أو مبادئ تساعد الإنسان في الحكم وأصلها أيضاً من الاحساسات ولكنها متوارثة لأنها تنشأ مبكراً وبطريقة طبيعية وسابقة على باقي الأفكار. وعلى أساس هذه النظرية في المعرفة أقام الرواقيون منطقاً تجريبياً إذا قيس بمنطق أفلاطون وأرسطو ، بحيث جعلوا نقطة البدء فيه هي الحوادث والوقائع الجزئية والبحث في الروابط بينهما، وليس إقامة علاقة تضمن الماهيات بين بعضها البعض.
وقصارى القول أن الفلسفة الرواقية من بعد زينون أصبحت فلسفة الحضارة الهيلينية على أيدي فلاسفتها الرومان سنكا وأبكنيوس وماركوس، وأصبحت جزءً لا يتجزأ من الحضارة الهيلينية التي صهرت المساهمات اليونانية والشرقية، وقامت عليها الإمبراطورية الرومانية، والتي تغذت بالحضارة اليونانية الرومانية، والتي انتشرت في الغرب ومن ثم استوعبت الفكر المسيحي في الثلاثة قرون الأخيرة، قد استوعبت كل جوانب التفكير المعرفي والعلمي وأصبحت رائدته بعد أن مزجت بين الفلسفة اليونانية القديمة والفكر المسيحي وامتدت فترتها ستة قرون كاملة، فأصبحت المرحلة التي تحددت خلالها السمات الأساسية والدائمة منذ ذلك الحين، للحضارة الغربية الحديثة[26] .

الصفحات