أنت هنا

قراءة كتاب تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تاريخ شرق الأردن وقبائلها

لا شك أن شرقي الأردن آهلة بالسكان منذ أزمنة عريقة في القِدَم، وإن لم يزل قسم كبير من تاريخها القديم مجهولاً. فوفرة الآثار وانتشار بقايا ما قبل التاريخ التي اكتشفها وصوّرها من الجو الجروب كابتن ريز Group Captain Rees V.C., A.D.C...etc.

تقييمك:
2.5
Average: 2.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

المصريون

لم يكتشف إلا القليل من تاريخ شرقي الأردن أثناء حكم السبع سلالات المصرية الأولى التي ابتدأت بالفرعون مينا حوالي سنة 3400 ق.م، وانتهت بتسنم أحمس أول ملوك السلالة الثامنة عشرة عرش المملكة المصرية سنة 1580ق.م. تقريباً. لم يكن لهؤلاء الفراعنة أطماع استعمارية، فلم يخرجوا من وادي النيل إلا ما ندر، وبماذا كانوا يطمعون ما دامت مناجمهم مستمرة في عملها ودلتاهم آمنة من الغارات البدوية؟!
لم يقم أي دليل بعد على احتلال المصريين شرقي الأردن، ولكن مما لا ريب فيه، أن مدنيتهم نفذت إليها، ولعل السبب هو الاتصال التجاري بين البلدين. فقد اكتشف في سحاب ناووس مصري يرجع بتاريخه إلى حوالي سنة 1300 ق.م. واكتشف قرب الكرك حجر نُقش عليه رموز مصرية قديمة لم تُحل بعد.
احتل المصريون القسم الأعظم من سيناء - حيث يكثر معدن النحاس - في عهد السلالة الأولى (3400-2090 ق.م.) وقد عثر على قارورة فخارية مصرية قرب منجم نحاس قديم يقع شمالي العقبة. ويحتوي وادي الفينان - أو فونون كما تسميه التوراة (في سفر الإعداد الإصحاح 33 والعدد 42) - الواقع شرقي الشوبك، على أدوات نحاسية عديدة وبقايا مستعمرة مصرية كبيرة. واكتشف في أدوم جنوب غربي البصيرة، وفي المناعية الواقعة في وادي عربة عدة أدوات من هذا النوع. وبدون حفر وتنقيب لا يمكن الجزم أن المصريين ارتادوا هذه الأماكن طلباً لمعدن النحاس فقط، يقول يوسيبوس سيزاريا Eusebius-Ceasaria (260-360 ب.م.) في الأنوماستكون Onomasticon إن الحكومة المصرية القديمة كانت ترسل مجرميها إلى وادي الفينان ليحفروا منقبين على النحاس. يتضح إذن أن هذا الوادي إذا لم يكن قد استُثمر في عهد فراعنة مصر فقد استُثمر في أيام الرومان.
جرد فرعون بيب الأول (2560 ق.م) ثم سيزوستريس الثالث حملات متعددة لمحاربة البدو الذين كانوا يغيرون على شرقي الدلتا، وكانت ترجع هذه الحملات إلى مصر بعدما تصد هذه الغارات.
ويغلب على الظن أنه ابتداء من سنة 2000 ق.م. كان هناك طريق تجارية منتظمة بين مصر وجنوب شرقي الأردن، فقد روي أن سينوح أحد القادة المصريين هجر بلاده بعد موت فرعون أمنمحت سنة 1970 ق.م. فأتى شرقي الأردن عن طريق السويس، وبعد أن مكث فيها ثمانية عشر شهراً غادرها إلى فلسطين([15]).
لم يقم أي دليل على احتلال الجيوش المصرية للقسم الجنوبي من شرقي الأردن أثناء الفتوحات التي قامت بها السلة الثامنة عشرة، ولكن يغلب على الظن أنها أغارت على منطقة عجلون واستولت على قسم منها لتحفظ خط المواصلات بين مصر وشمالي سوريا([16]).
جاء في السجلات الملكية التي كُتبت في عهد أخناتون (1375-1358 ق.م.)، والتي اكتشفت في تل العمارنة ذكر ثلاث محلات، الأول: يابيشي ولعله يابش جلعاد المعروف حديثاً بالدير في وادي اليابس في منطقة عجلون([17]). وقد ظهر أن القائد المصري الذي عهد إليه في إدارة هذه الولاية قد طلب الإمداد من سيده في مصر للدفاع عن ولايته إبان الثورات التي انفجرت في ممتلكات الفراعنة في آسيا، لكن فرعون لم يلب هذا الطلب فقتل القائد المصري وحاميته. والثاني: أدومو ولعله دامية الحديثة أو أنه يشير إلى الأدوميين. والثالث: صارقي وهو الزرقاء غالباً.
وحوالي سنة 1220 ق.م كتب أحد المصريين أن جماعة من بدو الأدوميين مروا من وادي طميلات لرعي ماشيتهم بالقرب من برك بيثون وبعد ذلك بقليل أرسل رعمسيس الثالث (1198-1167 ق.م.) حملة لإخضاع البدو في وادي سعير ولا يُعرف هل تعدت هذه الحملة إلى شرقي وادي عربة أم لا([18]).
اكتُشف في سنة 1930 أنقاض قرية قديمة شمالي البحر الميت بمكان يدعى تل الغزول من بقايا العصر النيوليثي، وهذه القرية عبارة عن خرائب متعددة الواحدة منها فوق الأخرى، وبها علائم مدنية سومرية. ولا شك أن هذه المدنية قد غزت شرقي الأردن أثناء فتوحات الملك سرجون العظيم سنة 3000 ق.م تقريباً الذي وصل بجيوشه إلى شواطئ البحر المتوسط.
تقول الأساطير العبرانية إن كدر لعومر ملك عيلام مع ملوك آخرين حارب بارع ملك سدوم وبرشام ملك عمورة وشنآب ملك أدمه (وهي أدوم غالباً) وشمئيبر ملك صبوئيم وملك بالع قرب زغر وأخضعهم جميعاً مدة اثنتي عشرة سنة، وفي السنة الثالثة عشرة انقضوا عليه فكرّ عليهم وغلبهم في جبلهم سعير وهرب من المعركة ملكا سدوم وعمورة. وبينما كانا يجتازان وادي السديم (غور الصافي) غرقوا في طينه اللزج([19]). وبهذه الصورة طغت المدنية العراقية على بلاد شرقي الأردن وحلّت محل المدنية المصرية.
تألف في شرقي الأردن أثناء الفترة بين عام 2000 ق.م والخروج عدة دول بعدما كانت منقسمة تقسيماً عشائرياً([20]). الأولى من هذه الدول كانت جلعاد أو عجلون الآن مع نصف البلقاء حتى الصلت. وقديماً كانت جزءاً من بلاد الآموريين الذين انتشروا قبل الخروج بقليل من وادي يبوق (الزرقاء) إلى أرنون (الموجب) وأسسوا دولة تحت حكم الملك سيحون. كان هذا التوسع على حساب مملكة عمون الصغيرة التي تضاءلت حتى صارت مقتصرة فقط على عاصمتها ربة عمون. وفي هذا الزمن توسعت مملكة مؤاب من وادي الموجب إلى وادب الحسا جاعلة عاصمتها الربة (قير حارسة) ثم انتقلت العاصمة إلى الكرك في عهد الملك ميشع([21]). أما مملكة أدوم الآرامية فقد كانت ممتدة جنوبي وادي الحسا وتضم جبال وادي عربة والطفيلة والشوبك وبطرا وعاصمتها بصرة وهي البصيرة الحديثة([22]).
سكان جبل سعير أصلهم حواريون - أي سكان الكهوف - ومنهم عيسو، كان يعيش هناك حينما كان أخوه يعقوب يخدم لابان في فاران آرام، وكان لعيسو ثلاث زوجات إحداهن كنعانية والثانية حثية والثالثة ابنة إسماعيل بن إبراهيم ويعرف أعقابهن جميعاً بالأدوميين، ملكوا جبل سعير بعدما اغتصبوه من الحورايين قبل خروج أبناء إسرائيل من مصر.
أما مملكة مديان فقد كانت في جنوبي جبال حسما وكانت مؤلفة من قبائل بدوية، لم تمتد هذه القبائل شرقاً إلى أكثر من خط السكة الحديدية الحديثة.

الصفحات