قراءة كتاب تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

كتاب " تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

ج - يركز النقد الثقافي جوهرياً على أنظمة الخطاب وأنظمة الإفصاح النصوصي، كما هي لدى بارت وديريدا وفوكو، خاصة في مقولة ديريدا أنّ (لا شيء خارج النص) وهي مقولة يصفها ليتش بأنها بمثابة البروتوكول للنقد الثقافي (المابعد بنيوي) و معها مفاتيح التشريح النصوصي كما عند بارت، وحفريات فوكو. حيث يقدم ليتش مفهومه عن الأنظمة العقلية واللاعقلية كبديل لمصطلح إيديولوجيا. (14)

وعلى هذا الأساس فإنّ مزج المناصرة بين (المقارن / والثقافي) تحت مظلة مصطلح (النقد) هو محاولة لإعادة بناء دور النقد في الحياة الثقافية في ظل تحولات ثقافية واجتماعية كونية جديدة، فمنذ قرابة نصف قرن. كان الناقد يرى " أنّ للنقد دوراً كبيراً شمولياً ويفترض فيه أن يكون قوّة موجّهة ذات أثر في تحديد مسار الفكر كلّه، وأن يكون ذا فعل وظيفي إذ يصبح قادراً على أن يخدم، على نحو خفي أو مستعلن، قضايا مختلفة في المجتمع، ربما لم يكن من السهل تحديدها، وهذا كلّه - إن صَحّ - يومئ إلى إيمان عميق بدور النقد الأدبي في الحياة الفكرية والاجتماعية " (15).

غير أنّ هذا الدور لم يعد فاعلاً في المجتمع، ولا سيما في وقت تراجعت فيه جماهيرية النشاط الأدبي أمام الانتشار الطاغي للبث الفضائي وقنواته التي استأثرت بالجمهور، ولم تعن في برامجها بجوانب مهمة في مجال النقد الأدبي. وبذا يلمس المتتبع انحساراً واضحاً للنشاط النقدي في دوائر أكاديمية ضيّقة، وإذا تمكن المناصرة من إعادة تأهيل دور النقد الأدبي في منظومة منهجية جديدة ضمن معادلة: (المقارن / والثقافي) فلا شك أنّ ذلك سيعزز من دور النقد في الحياة، وتصبح له سلطته الفكرية في كشف طبيعة الخطاب (بأوجهه المختلفة) داخل الثقافة الواحدة، وكذلك كشف طبيعة التثاقف والتأثير المتبادل بين الخطابات في إطار العلاقات الأدبية الدولية.

وهي علاقات غدت أكثر وضوحاً ونماءً في ظل مجتمع المعرفة والتقدم الهائل في قطاعات الاتصال والترجمة المباشرة والآلية، إضافة إلى ثورة المعلوماتية وآثارها الواضحة في تقارب الثقافات منذ العقد الأخير من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، وقد صار لزاماً أن ندرك النقاشات المهمة حول العلاقة بين (الثقافة والتكنولوجيا) ونتساءَل مع المتسائلين " هل الثقافة تابعة للتقانة، أم التقانة تابعة للثقافة؟.... فالثقافة كما تقول لوردس أريزب المدير العام المساعد لليونيسكو لشؤون الثقافة، بحكم طبيعتها ترفض التهميش والاختزال، ولا يمكن أن تكون مجرد عامل مؤازر لعملية التنمية التكنولوجية، كما هي الحال عادة، فليس دورها - وما زال الحديث للوردس أريزب - أن تكون خادماً من أجل تحقيق الغايات المادية، بل يجب أن تكون الثقافة هي الأساس الاجتماعي الذي تقوم عليه هذه الغايات نفسها "(16).

ومهما يكن من أمر في نقاش العلاقة بين التقانة والثقافة، فإنه لا يخفى على أحد أن التقانة ساهمت في تسريع عملية نقل الثقافة (التثاقف) وفتحت الباب على مصراعيه أمام تفاعل الثقافات في جميع أنحاء العالم. وهو ما كان لا بد أن يساهم في تغيير النظرة إلى طبيعة العلاقة بين الثقافات والآداب، ولا سيما وقد بدأت الدراسات الترجمية Translation Studies، بفضل التقدم الهائل في منهجيات الترجمة - البشرية والآلية - تأخذ مكانها منافساً حقيقياً للبحوث والدراسات المقارنة، تماماً كما حاولت الدراسات الثقافية Cultural Studies أن تلغي الدراسات المقارنة، " والحقيقة أن الدراسات الترجمية يجب أن توضع في إطار نهوض (الدراسات الثقافية) و (دراسات ما بعد الكولونيالية) و (الدراسات الأنثوية) وكلها حقول جديدة تناطح الأدب المقارن وتزاحمه، وتأخذ عليه بالجملة والمفرقارتباط نشأته بالمركزية الثقافية الأوروبية والكولونيالية والفلسفة الوضعية ". (17)

ولعل مثل هذه الاتهامات والشبهات هي التي كانت وراء الحديث المستمر عن (أزمة الأدب المقارن)، وسبيل الخروج منها. ولنتذكر هنا أن مصطلح (المقارن / والمقارنة) لم يكن مخلصاً في كثير من الأحيان للحقل الأدبي، فالدراسات التربوية، والدينية والتاريخية والعلوم البحتية والتطبيقية ادّعت (وصلاً بليلي)، واستخدمت المقارنة في عملها، ولنتذكر أيضاً أن (مؤسسة الأدب المقارن) نفسها ظلّت عرضة للهجوم والنقد ردحاً طويلاً من الزمن...

إذن نحن نبحث عن أي مداولة فكرية تعمل على توجيه جديد للمعادلة، وإعادة صياغة لها، ويهمنا هنا ما قام به عزّ الدين المناصرة من مزج بين (الأدبي - والنقدي - والثقافي) مما يقتضي جعل (الدراسة المقارنة) مظلة لمناقشات مستفيضة يتداخل فيها النقد الأدبي، بالنسوي والثقافي ونظرية الأدب، وهو من خلال مجمل كتابه (النقد الثقافي المقارن: منظور جدلي تفكيكي) يبرهن على تضارب الآراء وتناقضها في قضية (الأدب المقارن) ويبرهن - كذلك - على أنّ الجدل الذي تورط فيه أعلام بارزون في هذا الاتجاه، ويذكر منهم فيلتشر، وجراهام بو، وفوكيما، وسوزان باسنيت، وماكولولي، وراين، وبعض نقاد النسوية... هو جدل بيزنطي..، لأن النشاط المقارن نشاط إنساني جوهري، وإن اختلفت المسمّيات.

الصفحات