أنت هنا

قراءة كتاب نازك الملائكة حياتها وشعرها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نازك الملائكة حياتها وشعرها

نازك الملائكة حياتها وشعرها

نازك الملائكة، شاعرة عراقية من مواليد بغداد عام 1923، تخرجت من دار المعلمين العالية ببغداد، وحصلت على الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة، وأجادت اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، لكن عشقها الكبير كان للغة العربية ونحوها وصرفها وآدابها

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
واستمرت بعد ذلك بنظم الشعر، حتى كان عام 1953 وهو عام الفجيعة على بيت صادق الملائكة، عندما تجهزوا للاحتفال بعيد ميلادها الذي كانوا يحتفلون به كل أربع سنوات، وتقديم الهدايا فيه لها، أحست بألم غريب، فلم تسعد بالهدايا أو بالشموع، وسافرت إلى لندن لإجراء عملية جراحية، رافقتها فيها نازك لمعرفتها باللغة الإنكليزية، وقد كانت متخوفة كثيراً، فكان تقول لابنتها: «... وأنا يا نازك عدوة لهم، وشعري كله حرب على إسرائيل والصهيونية، ولذلك أخشى أنهم سيقتلونني فلا أرجع إلى الوطن»، وكانت تقصد بذلك الطبيب الذي سيجري لها العملية الجراحية، لأنها عرفت بأنه سيكون يهودياً، وعندما دخلت إلى غرفة العمليات كان تصرخ «نازك.. نازك.. نازك» مستنجدة بابنتها، وبعد انتهاء العملية، أدركت نازك أن أمها قد ماتت بذلك الورم الخبيث الذي كان في رأسها وذلك عام 1953، وهي في الرابعة والأربعين من عمرها، ودُفنت في لندن، بعد أن أنجبت: نازك، إحسان، سعاد، لبنى، سهام، نزار، وعصام.
 
ومع أن موت الأم نزل كالصاعقة على نازك، وخاصة عندما عاد رجع صوت الكلمات بأنهم سيقتلونها، إلا أنها تماسكت وانشغلت بدفن أمها دون أن يكون معها أحداً من أفراد عائلتها، وتحملت منظر دفن أمها وصاحبتها، وعادت إلى العراق وحيدة لا رفيق معها إلا الدموع الساخنة على وجنتيها، وعندما وصلت إلى البيت أصيبت بانهيار عصبي، وبقيت عدة أشهر إلا أن هذا المصاب كان له أثره الكبير في حياتها الشعرية والأدبية.
 
وكان لا بد من تقبل الأمر الواقع بعد الفراغ الذي خلفته الأم، وكان لا بد من إجراء التغيير لتستمر الحياة، فوكل الأمر إلى البنت الثالثة سعاد لتصريف أمور البيت ومسؤولياته، خاصة وأنها التي كانت تساعد أمها في الإشراف على أعمال البيت.
 
وقبل وفاة الأم خرجت أسرة صادق الملائكة من البيت الكبير، واستقلت في بيت منفرد، وارتحلت مع العائلة «العمة فاطمة» وهي عمة الأبوين صادق وسليمة، ولأنها لم تتزوج، فقد بقيت تساعد أم نازك في تربية الأولاد الذين كانوا يعتبرونها أمهم الثانية، وهي عمة لهم في الوقت نفسه(9).
 
وقد وصفت نازك هذا البيت الجديد فقالت: «وقد ابتنى أبي بيتاً صغيراً فيه أربع غرف، الكبرى منها كنا ننام فيها نحن الأطفال الخمسة مع عمة أبويَّ فاطمة التي ربتنا جميعاً (فيما بعد ولدت لنا أختان فصرنا خمسة)، والغرفة الثانية الأصغر، كان ينام فيها أبواي، والثالثة غرفة صغيرة لاستقبال الضيوف، أما الرابعة، فلم تكن غرفة في الواقع، لأنها كانت واطئة الأرضية بحيث تبرد برداً شديداً في الشتاء، وكنا نستعملها خلال الصيف اتقاءً لحر الظهيرة ونهجرها شتاءً، وكان بين الغرف ممر طويل، وضعنا فيه مائدة الطعام، إذ لم تكن في البيت غرفة طعام»(10 ).
 
كانت نازك أصغر من أمها بأربعة عشر عاماً، وكانت الفجوة تتناقص بينهما كلما كبرت نازك يوماً وتوسعت مداركها، وقد أشارت نازك إلى أمها بإشارات كثيرة ومنها: «وكانت حياة أمي شعلة من العواطف لا تهدأ، فهي شديدة الحب لنا نحن أولادها، كثيرة القلق علينا من أن يصيبنا شيء، بحيث تصهر نفسها صهراً إذا ما تأخر أحدنا في المدرسة دقائق عن الموعد، فإذا عدنا جميعاً ورأتنا حولها، انطلقت إما في نظم الشعر، وهو عملها الأثير أو الاستماع إلى الراديو»(11). 
 
وأحبت نازك أخواتها، وكانت تتفهم طريقة كل واحدة منهن، فأحبت إحسان التي كانت تصغرها مباشرة، فتشاركها اهتماماتها، وكانت أقرب أخواتها إليها، وكانت إحسان تعتبر نازك مثلها الأعلى فتطلعها على ما تنظم وتكتب، وكانت نازك تبثها همومها ومشاعرها، وقد تعلمت إحسان من نازك طريقة تسجيل مذكراتها اليومية، وبدورها نازك كان تشجعها على القراءة والمطالعة حتى أوصلتها إلى قرض الشعر فنشرت لها أول قصيدة بعنوان «عيد النبي» في جريدة الحوادث البغدادية في شباط عام 1945، ثم انصرفت عن الشعر إلى الكتابة النقدية والترجمة، ثم تزوجت من زميل لها في معهد الفنون الجميلة الرسام «علي الشعلان» وأنجبت أول حفيد للأسرة بتاريخ 25/12/1954، مما أدخل الفرحة على نفوس العائلة بعد وفاة أمهم ليصبح المولود موضع اهتمام العائلة بأكملها.
 
أما سعاد، فقد كانت العون والمساعد لأمها في شؤون البيت، لأنها لم تكن تحب المطالعة، وعلمت نازك أختيها الصغيرتين لبنى وسها على التعامل باحترام فيما بينهما، وسعت إلى توجيههما فكرياً، فنجحت مع سها التي توسمت فيها النبوغ، فراحت توثق أحداث طفولتها وتسجلها في دفترها، ومما جاء فيها: «إني أعلم جيداً أن هذه الطفلة الصغيرة المحبوبة ستكون في مستقبلها الباهر، إن شاء الله درة لامعة في سماء الشعر وكوكباً مؤلقاً في دنيا الموسيقى، وعالماً كاملاً من النبل والوداعة وسمو الخلق...» (12). وقد دربتها على حفظ الشعر وسماع الموسيقى، وغمرت نازك فرحة عارمة عندما سمعت أختها تقرأ أبياتاً لأبي ماضي عام 1942 وتناقشها بها. وقد اقتدت سها بأختها نازك في حركاتها وسكناتها، حتى تقمصت في وقت من الأوقات شخصيتها.

الصفحات