أنت هنا

قراءة كتاب نبوءات الجائعين : قصائد كتبت في السجون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نبوءات الجائعين : قصائد كتبت في السجون

نبوءات الجائعين : قصائد كتبت في السجون

كتاب " نبوءات الجائعين : قصائد كتبت في السجون " ، تأليف الدكتور أيمن العتوم ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

إضاءة

صفحةٌ من كتابٍ لم تُطوَ بعد، وأحرفٌ اتّصل أوّلها فتشّكلت، ولم يتّصل آخِرها، وروحٌ ترى الأفق أضيقَ من أن يتسع لفضائها، وقلبٌ تخضّب بالعاطفة الثّائرة الّتي لا تعرف الهدوء، وإيمانٌ شرّش في خلايا كلّ جارحةٍ أرادت ألاّ تخفض رأسَها مهما كان السّقف الّذي يُحاصِرُ حرّيتها!!

إنّ غُصّةً واحِدةً في مجرى حلقي لا يُمكن أن تشفيَها كلّ أنهار الكون، وإنّ نفثةً واحِدةً من أحزان صدري لو أصابت أهل الأرض لتحوّل الهواء إلى عالَمٍ يضجّ بالأسى··· جئتُ لأقول كلمتي للتّاريخ، وسيحفظها التّاريخ أو ينساها، ليس ذلك مُهمًّا!! المهم أن أقولَها· إنّ الدّفقات الّتي تغلي بين جدران أعماقي لا يُمكن أن أصبر عليها طويلاً، ولا يُمكن أن أخبّئها في أدراج مكتبي، أو أحفر لها شِقًّا في حائط غرفتي؛ كي لا يعثروا عليها عندما يفتّشونها، ولا يُمكن أن أؤجّلها إلى الغد؛ الغد يعني أن تُنافق، إنّ فكرة التّأجيل ليست واردةً عندي أبدًا، إنّها مثل النّسيء زيادةٌ في الكفر··· إنّ كلماتي انبثقت مع هذا الغَلَيان الّذي إنْ لم أفجّره فجّرني، وإن لم أفتحْ أمامه القَنَوات ليأخذ مجراه الطّبيعيّ أهلكني···

إنّ القصيدة الّتي تخرج عن القلب لا منه؛ ليست صادِقةً· السّجن أسدى إليّ نعمةً لم أكنْ لأحوزها لولاه؛ إنّه مسح على قلبي فأحاله بحرًا من الحنان والحنين والرّضى، واكتشف سماء الحبّ فيه، وعلّمني أن أكون مُستمِعًا جيّدًا؛ جعلتُ قلبي صفحةً بيضاء واستمعتُ لهم جميعًا، إنّك لن تستطيع أن تُبادِلهم أمواج حبّك ما لم تُصغِ جيّدًا، حملتُ لإخواني - الّذين تنشّقتُ معهم عبير الحرّيّة رغم الصّفائح الجدرانيّة - جنّةً من الزّهور الفوّاحة، وأقمتُ لكلٍّ منهم فيها حديقةً جميلةً؛ اخترعتُ لهم أسماءَ ورودٍ وزنابِقَ لم يسمعوا بها··· تخيّلوا أنّ الحبّ لا يقف في وجهه شيءٌ، كنتُ أحبّ حتّى أفراد الأمن المكلّفين بحراستنا؛ لم أكنْ أعرف أنّ السّجن يُفجّر في القلب ينابيع الحنان كلّها!!

كنتُ كلّما ازداد الحِرمان الجسديّ ازداد الفَيَضان الرّوحيّ، كم كنتُ مُستمتِعًا بذلك؛ الطّريقة المضمونة والمُحبّبة للتّواصل مع الآخرين··· أوصلتْني القُضبان إلى شيءٍ من الاختِمار المطلوب، كُنّا نقول: إنّنا ثِمارٌ يخرج من السّجن أوّلنا نضوجًا··· شعورنا بالحرّيّة خلف القُضبان كان طاغِيًا، تتسرّب العبوديّة إلى قلوبنا أحيانًا حينَ تُفتح الأبواب جميعها أمامنا، ولا يبقى للقيد ذلك الرّنين المُحَبّب، أو ذلك الألم اللّذيذ··!! شيءٌ من الاقتِناع أنّ السّجن قد يكون في حالةٍ ما هو مكاننا الطّبيعيّ· ليس جنونًا؛ إنّه قمّة الواقعيّة، حرّيّة الرّوح لا تهبها الفضاءات المُطلَقة، وجُدران الزّنازين الانفراديّة لا يُمكن أن تموضعها···!!

أيمن العتوم

11/11/1997م

الصفحات