أنت هنا

قراءة كتاب حزب الله والدولة في لبنان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حزب الله والدولة في لبنان

حزب الله والدولة في لبنان

كتاب " حزب الله والدولة في لبنان " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

المقدّمة

تستمدُّ أيُّ جماعة بشريَّة فهمها للوطن والدَّولة من منابع ثقافتها وتراثها وحضارتها، ومن أصول فكرها وعقيدتها، وهما (الوطن والدَّولة) كانا ولا يزالان مقوِّمًا أساسيًّا لحياة الأفراد والجماعات، لارتباطهما المباشر بانتظام مسار هذه الحياة، وبتنميتها وتطوُّرها ورقيِّها. وهذا ما جعلهما محلَّ اهتمام دائم عند الشعوب والجماعات، ولدى المفكرين على مرِّ العصور.

يسري هذا الاهتمام بالوطن والدَّولة على البحث الفكري الإسلامي، فقد أولاهما عناية خاصَّة، وصارا موضع مواكبة فكريَّة وسياسيَّة مستمرَّة في أعقاب سقوط الدَّولة المركزيَّة، وتوزُّعها على أوطان ودول، وظهور أنماط متنوِّعة من الدُّول والنظم السياسيَّة. وتستند كلُّها إلى رؤى فكريَّة، وتعتمد مناهج متباينة في السياسة والاقتصاد والثقافة، ومنظومة القيم الخاصَّة بكلِّ مجتمع.

لقد أدَّت هذه التباينات في المناهج إلى بروز إشكاليَّات شائكة حول العلاقة بهذه الأنماط من زوايا وطنيَّة، وقوميَّة، ودينيَّة.

واجهت الحركات الإسلاميَّة السياسيَّة هذه الإشكاليَّات، وشغلت معالجتها وتفكيك تعقيداتها مفكريها ودراساتهم؛ لأنَّ كثيرًا منها ينتمي إلى منهج فكري مبناه المحوري إنشاء دولة تبسط سلطة الشريعة الإسلاميَّة على أرض المسلمين الواحدة، وهو المنهج الَّذي لا يقرُّ بالحدود الجغرافيَّة الَّتي قسَّمت هذه الأرض. فالوطن في فهم هذه الحركات هو مساحة الأرض الإسلاميَّة، والدَّولة هي الَّتي تُحَكِّم الإسلام في المجتمع. لكنَّ هذا المنهج، لم يستطع إيصال تلك الحركات إلى هدفها المنشود، فاصطدمت بموانع كثيرة، حالت بينها وبين تطبيق أفكارها في السُّلطة والمجتمع.

سلكت هذه الحركات سبلًا كثيرة بهدف تسييد فكرها، والوصول إلى السُّلطة، فمنها من لجأ إلى القوَّة العسكريَّة، واعتمد خيار العنف بأشكاله المتنوِّعة، ومنها من لجأ إلى الثورات الشعبيَّة، ومنها من عمل من داخل آليَّات الأنظمة نفسها. ولا تزال هذه الحركات تواجه أسئلة صعبة حول حدود العلاقة بالوطن، وفهمها للدَّولة في المجتمعات الَّتي لا تُطبَّق فيها الشريعة الإسلاميَّة، أو في المجتمعات المتنوِّعة دينيًّا وثقافيًّا، وقد ازدادت صعوبة هذه الأسئلة مع تفشِّي دور التيارات التكفيريَّة وتقديمها لنموذجها في السُّلطة، أو في محاولة فرض دولتها وأحكامها باسم الإسلام على من لا يؤمن بمنهجها سواءٌ كان من المسلمين، أم كان من غيرهم من أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى، وما جرَّه هذا النموذج من سلبيَّات كثيرة على صورة الإسلام وشريعته في الحياة.

تتنوَّع الرؤى الفكريَّة والسياسيَّة لهذه الحركات، فهي ليست على مسار واحد، ولا تنتمي إلى مدرسة فكريَّة واحدة، وإن جمعتها التَّسمية، أو جمعها العنوان المشترك وهو الإسلام، ومع ذلك فإنَّنا نجد أنَّ لكلٍّ منها تفسيره وفهمه لهذا العنوان، وقد تلتقي هذه الحركات تبعًا لمنابعها الفكريَّة، وأصولها العقائديَّة مع هذا العنوان، أو قد تتعارض معه إلى حدِّ التناقض، أو حتَّى حدِّ التصادم.

يبرز من بين هذه الحركات حزب الله، كحركة إيمانيَّة إسلاميَّة مقاومة، لها فكرها، وثقافتها، وتطلُّعاتها. وتعيش داخل وطن متنوِّع الطوائف، وفي ظلِّ دولة يحكمها نظام طائفي، ولا تُطبَّق فيها الشريعة الإسلاميَّة، وتتفاعل داخلها الصراعات والتناقضات.

سلك حزب الله سبلًا متنوِّعة لإيصال فكره، وتعميم نموذجه، سواءٌ من خلال ميدان المقاومة، أم من خلال أطروحته الفكريَّة/ السياسيَّة. ولم تنفصل هذه السبل بعضها عن بعض، بل يُكمل أحدها الآخر، وتهدف كلُّها وفق ما يَطرح في هذا الفكر إلى حماية حريَّة مجتمعه ورفعته، وعزَّته، وازدهاره، ورقيِّه، ليكون قادرًا على تحقيق ذاته، واختيار نظام حياته الأمثل.

يمتلك حزب الله رؤية فكريَّة/سياسيَّة لقضايا المجتمع والدَّولة، ويقدّم هذه الرؤية تارةً في قالب فكري نظري من خلال دراسات ووثائق سياسيَّة، وطورًا من خلال برامج عمل وأداءٍ ميداني. وهذا ما سنعمل على معالجته في هذا الكتاب، فما نحن بصدده هو هذه الرؤية للبنان الوطن والدَّولة، وحدود علاقته بهما، وتطوُّر خطابه اتّجاههما، وما استتبعه ذلك من شراكته في منظوماتهما السياسيَّة والإداريَّة.

الصفحات