You are here

قراءة كتاب اللغة العربية في مرآة الآخر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة العربية في مرآة الآخر

اللغة العربية في مرآة الآخر

استحوذت اللسانيات الغربية عامة واللسانيات الأمريكية خاصة على الدراسات اللغوية العربية، ولا سيّما بعد ظهور النظرية التوليدية التحويلية، وأصبح تطبيق المقولات النظرية المستفادة من تلك اللسانيات بمدارسها المختلفة المتعاقبة -ولا يزال- تياراً سائداً وعنواناً رئيس

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
عَوْدٌ على بَدْء
 
كان محور تلك الحلقة اللغوية التي قدّمت ذكرها وبَعَثَتْ سؤال هذا الكتاب في خاطري، هو (الكونيات اللغوية وتصنيف اللغات)· ولكن أعمال الحلقة وفعالياتها وبرنامجها انتظمت إلى جنب المحور الرئيس -كالمعتاد - موضوعات لسانية شتى· وكنت أتابع جُلَّ ما يُلْقى في تلك الحلقة من وجوه البحث اللساني· وقد أَنِست لمحاورة تشارلز فرجسون، ووقفني على مقالتيه (Arabic Koine) (وضع العربية) و(Myths about Arabic) (أساطير أو أوهام حول العربية)· وهما مقالتان تنتسبان إلى جهده الاستشراقي ؛ فَهُما بمعزل عن أَلَق ذلك العلم اللساني الذي كان يَمور بالفعالية في تلك الحلقة الجامعة· على أنه ينبغي أن أذكر أنني صرحت له يومذاك بانطباعي عما كنت أشهده من مساجلات المحاضرين والمشاركين إذ قلت له يومذاك : إن أجواء السجال السائد في هذا المشهد وما يتبادله المشاركون فيه من الأنظار يشبه ما كان يتناوله ويتداوله نحاة العربية في البصرة والكوفة·
 
وأحتفـي أيضا بأنني التقيت، فيمن التقيت، في ذلك المشهد، سوزوموكونو أستاذ اللسانيات في هارفارد· وكان موضوع محاضراته في اللسانيات الوظيفية، وكان مدارها على نقد النظرية التوليدية في اقتصارها على البنية العقلية للغة دون احتفالٍ يُذْكَر بما يكتنف اللغة في مواقف التواصل وشروط التخاطب وأطراف الخطاب·
 
على أن ما يعنيني هنا أنني أوردت عليه ذِكْرَ علماء العربية وتراثهم الممتد في دَرْسها فكـان أبرز ما علق به يومذاك أنه يعلم أن لعلماء العربية بصائر - insights في هذا الشأن، وحسب·
 
وألقى (ت·ف· ميتشل) محاضرة خاصة في سياق ذلك المؤتمر تناول فيها مشروعه حول الدعوة إلى لغة المتعلمين المحكية أو العربية الوسطى، ولكني دافعت تلك الدعوة بحماسة أَوَّلَها تأويلا قوميّا عربيّا (Nationalist)؛ ذلك أنني وجدتها دعوة غير متقبّلة وأنّ نموذجها - وإن كان سائدا - ليس بصالح لأن يكون بديلا للفصحى : لسانِ المقدّس، وحاملةِ التراث، ووسيطِ التواصل الجامع للفضاء العربيّ والنموذجِ المكتوب·
 
وإنما أتوقف إلى مشروع (ميتشل) في الدعوة إلى عربية ثالثة لأنه يجيء في سياق مؤتمر لسانيٍّ محورُه الرئيس الكونيات اللغوية، ويجري الحديث فيه عن مشروع كانت تتولاه جامعة ستانفورد، وكانت استكملت فيه حتى ذلك الحين وَصْفَ مئتي لغة في سياق البحث عن المشترك بين اللغات الإنسانيّة أو عن لغة كونية واحدة·
 
وأَسْتَحْضِر إلى هذا ما كنت أتلقّاه من بعض اللسانيين المشاركين في تلك الحلقة : بأي لغة عربية نتكلم؟ إذ ينظرون إلى تنوعات العربية في لهجاتها على أنها لغات شتّى·
 
ووجـه المفارقة فاقع ؛ وكأنما ينظر القوم إلى لغات العالم بعدسة محدّبة وينظرون إلى العربية بعدسة مقعرة، وكأن العالم أمة والعرب أمم كما كتبتُ يومذاك· ولهجاتُ العربية على تباينها وتعدّدها - في حقيقة الأمر وفيما يتعارفه المشتغلون بها والناطقون بها من أبنائها - تشفّ عن غالب مشترك فيما بينها، وتمثّل الفصحى مفتاحا مباشرا لتأويل ما يبدو في ظاهر الأداء من تباينات، وهو حديث معاد مكرور وإنما أُقْحِمُه هنا بفيض الخاطر على وجه التذكرة·
 
ويكفي أن أتوقف هنا إلى ملحوظة جديرة بالاحتفاء· كان إدوارد كينان يلقي محاضراته في (المنطق والنحو الكوني)، فَأَوْرَدْتُ عليه في سياق بعض محاوراتنا أمر المناظـرة الشهيرة بين أبي سعيد السيرافي ومتّى بن يونس حول النحو العربي ومنطق أرسطو، وأُعجب بما أوردته من محاجة السيرافي أن منطق أرسطو أقيم على مثال اللغة اليونانية وهي لغة جملة اسمية (svo) بخلاف العربية التي هي في منتهى التحليل لغة جملة فعلية (VOS)· وقد كان ذلك الموقف مؤنسا بانفتاح القوم الفعلي وإقبالهم على كُلّ ما يرفد أنظارهم ويعزّزها·
 
ثم شهدت في العام التالي 7 7 9 1 حلقة الدراسات اللغوية التي عقدت في جامعة هاواي وكان محورها الرئيس اللسانيات التطبيقية والتخطيط اللغوي· وأستحضر، من ذِكْر وقائعها مما يتصل بأصل القصد من هذه المقالة، موقفين ؛ موقفا مع تشارلز فلمور وكان يحاضر في (الحقول الدلالية)، وموقفا مع لاديسلاف زغوستا صاحب (فنّ صناعة المعاجم)·
 
وإنما أستدعي هذين الموقفين لأن الرجلين قد دَهِشا أن يكون للعرب مِثْلُ ذلك الإنجاز المعجمي من معجم العين للخليل المبني على نظام صوتي رياضيّ، إلى المخصّص لابن سيده المبّوب على وفق الحقول الموضوعية··· إلخ·

Pages