You are here

قراءة كتاب فك شفرة الكون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فك شفرة الكون

فك شفرة الكون

كتاب " فك شفرة الكون " ، تأليف تشارلز سايف ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

مقدّمة المؤلّف

«كلّ شيءٍ مصنوع من مادّة خام خفية واحدة»

ـ رالف والدو إمرسون

الحضارة فانية، قد لا يكون هذا أول ما تودّ قراءته عندما تلتقط كتابًا ما، لكنّها الحقيقة. فالإنسانية ـ ومجمل الحياة في الكون ـ في طريقها للفناء. لن يجدي ساعتها مستوى التطوّر الذي بلغته حضارتنا، أو تطويرنا لتكنولوجيا قد تمكننا من التنقّل بين النجوم، أو بلوغ متوسط أعمارنا الستمئة عام، وأمامنا فقط وقت محدود قبل إبادة آخر مخلوق في هذا الكون المرئي؛ لأنّ قوانين المعلومات تقرّر مصيرنا تمامًا، كما تقرّر مصير الكون نفسه بالضبط.

تستدعي كلمة «المعلومات» إلى الذهن صورة أجهزة الكمبيوتر والأقراص الصّلبة والإنترنت فائق السرعة، وعلى أيّ حال فظهور أجهزة الكمبيوتر وازدياد شعبيتها صار يُعرف الآن بثورة المعلومات، إذ يعدّ علم الكمبيوتر أحد التجليّات البسيطة جدًّا للفكرة الشائعة والمعروفة بنظرية المعلومات information theory. وبينما تحدّد تلك النظرية في الواقع الكيفية التي تعمل بها أجهزة الكمبيوتر فإنها تقوم بما هو أكثر من ذلك بكثير، فهي تحكم سلوك الأجسام على عدّة مستويات مختلفة، وتخبرنا بطريقة تفاعل الذرات مع بعضها البعض وبكيفية ابتلاع الثقوب السوداء black holes للنجوم، كما تصف قوانينها طريقة فناء الكون وتلقي بالضوء على طريقة بنائه. وحتّى لو لم يوجد شيء كالكمبيوتر، فإنّ نظرية المعلومات ستبقى كأعظم ثالث ثورة في فيزياء القرن العشرين.

تعتبر قوانين الديناميكا الحرارية thermodynamics ـ القوانين التي تحكم حركة الذرات في جزء من المادّة ـ قبل كلّ شيء، قوانين عن المعلومات. ونظرية النسبية theory of relativity التي تصف طريقة تصرّف الأجسام عند السرعات القصوى تحت تأثير الجاذبية القوي، هي في الحقيقة نظرية للمعلومات. كذلك، فإنّ نظرية الكمّ quantum theory التي تحكم مجال الأجسام متناهية الصغر لا تعدو كونها نظريةً للمعلومات. إنّ مفهوم المعلومات ـ الأوسع من مجرد محتويات القرص الصلب ـ يجمع بطريقة لا تصدّق كلّ هذه النظريّات معًا في فكرة قوية واحدة.

تكتسب «نظرية المعلومات» قوتها من أنّ المعلومات مادّية، وليست مجرد مفهوم تجريديّ، ولا مجرّد حقائق أو أرقام أو تواريخ أو أسماء، إنّها الخاصّية الصلبة للمادّة والطاقة والتي يمكن قياسها وتقدير كمّيتها. إنّها كلّ بتة bit حقيقية مثل وزن قطعة رَصاص أو مقدار الطاقة المختزَن في رأسٍ نووي. وكما في الطاقة والمادّة، تتحكّم عدّة قوانين فيزيائية في المعلومات وتحدّد الطريقة التي تتصرّف بها ـ كطريقة تناولها ونقلها ومضاعفتها ومحوها أو تدميرها. وكلّ شيء في الكون يجب أن يكون خاضعًا لقوانين المعلومات؛ لأنّ كلّ شيء في الكون يتشكل بالمعلومات التي يحتويها.

لقد ولدت فكرة المعلومات من الفنّ القديم لإنتاج الشفرات وتفكيكها. لقد كانت هذه الشفرات تخفي أسرار الدولة في الواقع، كطريقة لحجب المعلومات أثناء نقلها من مكان لآخر. وعندما أصبح فنّ تفكيك الشفرات مرتبطًا بعلم الديناميكا الحرارية ـ وهو فرع من الفيزياء يصف سلوك المحرّكات وتبادل الحرارة وإنتاج الشغل ـ نتج عن ذلك نظرية المعلومات. فكانت هذه النظرية الجديدة للمعلومات بمثابة فكرة ثورية بالقدر نفسه الذي كانت عليه نظريتَا «النسبية» و«الكمّ»، حيث إنها قد غيّرت للأبد مجال الاتصالات كما قامت بتعبيد الطريق أمام عصر الكمبيوتر، ولم يكن هذا سوى البداية. فخلال عقد من الزمان بدأ علماء الفيزياء وعلماء البيولوجيا في إدراك أن أفكار نظرية المعلومات مهيمنة أكثر بكثير من كونها مجرد بتات bits وبيتات bytes الكمبيوتر والشفرات والاتصالات: فراحوا يصفون العالم ما تحت الذري وأشكال الحياة على الأرض كافّة بل والكون بكامله.

كلّ كائن على الأرض مخلوق من المعلومات، فالمعلومات تقبع في مراكز خلايانا، وتتحرّك بسرعة في ثنايا أدمغتنا. لكنّ الكائنات الحيّة ليست هي فقط التي تتعامل مع المعلومات وتقوم بمعالجتها، فكلّ جسيم في الكون كلّ إلكترون وكلّ ذرّة وكلّ ما لم يتم اكتشافه بعد معبّأ بالمعلومات ـ معلومات لا يمكننا الوصول إليها غالبًا، لكنّها المعلومات التي يمكن نقلها ومعالجتها وتبديدها أيضًا. وكلّ نجم في الكون وكلّ مجرّة من تلك المجرّات التي لا يمكن حصرها في السماء معبّأ تمامًا بالمعلومات، المعلومات التي يمكنها الإفلات والارتحال بعيدًا. تلك المعلومات التي تتدفّق دائمًا وتنتقل من مكان إلى مكان منتشرة في أرجاء الكون.

لقد اتضح أن المعلومات تشكّل كوننا بالمعنى الحرفي للكلمة، وربّما تحدّد حركة المعلومات التركيب المادّي للكون إلى حدّ بعيد. ويبدو أنّ هذه المعلومات تقع في قلب أعمق تناقضات العلم الظاهرية ـ كأُحجية النسبية وميكانيكا الكمّ ـ مثل نشوء ومصير الحياة في الكون، أو طبيعة القوّة التدميرية الهائلة للثقوب السوداء أو الترتيب الخفي لما يبدو أنه كونٌ عشوائي.

لقد بدأت قوانين المعلومات في إماطة اللثام عن إجابات لأكثر أسئلة العلم عمقًا، لكنّ هذه الإجابات بدت بطريقة ما أكثر غرابة وإرباكًا من تلك التناقضات الظاهرية التي سعت إلى حلّها. فالمعلومات تقودنا لتكوين صورة عن كون يسرع خطاه باتجاه هلاك مخلوقاته الحيّة كما لو كانت عالة متطفّلة عليه، وتؤدّي بنا إلى تصوّر لا يمكن تصديقه عن كون بيزنطي يتألّف من تجمّع هائل من الأكوان المتوازية.

إنّ قوانين المعلومات تمنح علماء الفيزياء طريقًا لفهم الألغاز الأكثر إبهامًا والتي لم تخطر على بال بَشر من قبل، إلا أنّها ترسم لنا صورة أكثر تجهّمًا كما لو كانت لوحة سريالية.

Pages