You are here

قراءة كتاب فك شفرة الكون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فك شفرة الكون

فك شفرة الكون

كتاب " فك شفرة الكون " ، تأليف تشارلز سايف ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 9

وفي ثلاثينيات القرن العشرين، برهن تيورنج وزملاؤه في جامعة برينستون بكنيسة ألونزو Princeton University, Alonzo Church، أن هذا الروبوت robot البسيط ماهو إلا كمبيوتر شامل، فهو يستطيع إجراء أيّ عملية حسابية يتخيّل أن يقوم بها الكمبيوتر، بما في ذلك أحدث الكمبيوترات الفائقة supercomputers. ممّا يعني أنّك تستطيع نظريًّا إجراء أكثر العمليات الحسابية أو المهام الحاسوبية تعقيدًا لو كان بمقدورك لفّ الشريط وقراءة وكتابة أو مسح العلامات من عليه. كانت فكرة الكمبيوتر الشامل حاسمة في تطوّر علم الكمبيوتر ونظرية المعرفة.

لم يحظَ تيورنج بشهرته الكبيرة لهذا فقط، فقد جاءت شهرته من قدرته على تفكيك شفرة انيجما. حيث قام مع زملائه في بليتشلي بارك، باستكمال جهود علماء الرياضيات البولنديين، فقاموا باستخلاص المعلومات التي كانت تخفيها رسائل انيجما المشفّرة عن طريق استغلال الإسهاب الموجود فيها. فقد تسبب عددٌ من عيوب شفرة انيجما بوجود إسهاب في تلك الرسائل ممّا ساعد على إضعاف شفرتها. كان أحد تلك العيوب بسبب التصميم (فمثلًا، آلة انيجما لا يمكنها ترك الحرف الواحد دون تغيير: فالحرف المشفّر E قد يكون أي حرف من حروف الأبجدية إلا الحرف E نفسه، وهذه المعلومة البسيطة قد تساعد في معرفة ما كانت عليه الرسالة). كما كان أحد هذه العيوب بسبب طريقة الألمان في الاتصال (فقد كان بمقدور مفكّكي الشفرة في بليتشلي بارك استغلال ما تتنبّأ به تقارير الطقس المشفّرة التي كان يرسلها الجيش الألماني، لتفكيك الشفرة التي تخفي تلك التقارير، ومثل تنبؤ اللغة كان هذا شكلًا من الإسهاب). لقد سمحت هذه العيوب مع بعضها لتيورنج وزملائه بأن يفكّكوا رسائل انيجما المشفّرة، بواسطة سلسلة بدائية من الالآت الحاسبة التي صمّمت خصّيصًا لهذا الغرض وعرفت باسم «قنابل الحلوى» (******) bombes. وقد استطاع تيورنج ومساعدوه في بليتشلي بارك أن يفكّكوا شفرة رسائل انيجما فعليًّا وفي غضون ساعات، بفرق شاسع عن مليارات مليارات السنين التي يتطلّبها التحليل العقلي البسيط للوصول إلى حلّ طريقة تأمين شفرات انيجما. لقد تسرّبت المعلومات من الرسائل المشفّرة وكان بمقدور مفكّكي الشفرة في بليتشلي بارك أن يقرأوها حتّى لو كانت مخفيّة بآلة انيجما.

وكما أن كسر الشفرة JN-25 قد غيّر من مسار الحرب في المحيط الهادى، فان كسر شفرة انيجما قد غيّر مجريات الحرب في المحيط الأطلنطي. ففي المراحل المبكّرة من الحرب العالمية الثانية، كاد أسطول اليوبوتات الألمانية أن يخنق جزيرة بريطانيا العظمي الحصينة. وفيما بعد، كتب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل «في الحقيقة، فإن الشيء الوحيد الذي أرعبني بصورة مطلقة أثناء الحرب كان تهديد اليوبوتات». ويعد النصف الثاني من عام 1940 أسعد أيام البحرية النازية، حيث كانت اليوبوتات ترسل شهريًّا حوالي نصف مليون طن من حمولات سفن الشحن الإنجليزية إلى قاع المحيط الأطلنطي، ممّا جعل بريطانيا العظمي تجثو على ركبتيها تقريبًا، لكن مفكّكي شفرة انيجما قد غيّروا هذا المسار، فمن اللحظة التي تمّ فيها تفكيك شفرة اتصال اليوبوتات عن طريق نسخة انيجما التي كانت لدى البحرية البريطانية، قام مفكّكو الشفرة في بليتشلي بارك بمساعدة القوّات البريطانية المضادّة للغوّاصات باصطياد وإغراق تلك اليوبوتات التي تسبّبت بضرر بالغ لأمّتهم كما أسهموا في الفوز بالحرب(*******).

كان تفكيك شفرة انيجما آخر جهد عظيم مبذول لتفكيك الشفرات، قبل أن يتعلّم العلماء تحديد المعلومات ومعالجتها وتحليلها. فقد كان مفكّكو الشفرة في بليتشلي بارك ودون أن يدروا، يستغلّون طبيعة المعلومات الملموسة التي يتعذّر اختزالها. فكانوا يستخدمون الإسهاب وعمليات الحوسبة والمعالجة الحسابية لكشف غموض الشفرات واستخلاص المعلومات التي تكمن وراءها. بمعنى ما، كان مفكّكو شفرة انيجما النجم الساطع الذي بشّر بميلاد كلٍّ من علم الكمبيوتر ونظرية المعلومات – وقد شكّلت أفكار تيورنج جزءًا هامًّا فيهما.

ومن المحزن أنّ تيورنج نفسه لم يلعب دورًا مهمًّا في ميلاد نظرية المعلومات. ففي عام 1952 تمّت محاكمة تيورنج «مثلي الجنسية» بتهمة ارتكاب «بذاءة فاضحة» لعبثه مع ولد يبلغ من العمر تسعة عشر عامًا. ولكي يتجنّب السجن، قام بالتوقيع بالموافقه على الخضوع للعلاج باستخدام الحقن الهرمونية التي كان من المفترض أن تقضي على ميوله الجنسية تلك. لكنّها لم تفعل، ولم يُشفَ من وصمة «فساد أخلاقه» وبعد سنتين انتحر تيورنج المعذّب عقب تناوله للسيانيد على ما يبدو.

لقد جاء ذكر مأساة تيورنج في كلّ مرّة عندما كان على علماء الفيزياء وعلماء الكمبيوتر أن يتعلّموا طريقة التعامل مع جوهر المعلومات، في الوقت الذي كان يرى فيه العلماء صعوبة في تحديد مفهوم للمعلومات يحمل مفتاحًا لفهم طبيعة العالم المادّي. ولم يكن هذا الانتحار هو الوحيد الذي ألقى بظلاله على علم المعلومات، فقد كانت المأساة في الحقيقة موجودة عند جذور نظرية المعلومات، حول الجهود الفيزيائية المبكّرة التي مهّدت الأرض لمجيء هذه الثورة.

Pages