0
لا توجد اصوات
كتاب" خطوط مائلة " ، تأليف : حسني الناشي، والذي صدر عن مؤسسة شمس للنشر والاعلام ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
تملكته رغبة كالحلم الرقيق ، أن يقف وسط الجسر حاملاً فيض مشاعره المتدفقة ، مع وقع الخطوات المتسارعة نحو هدفها ، انهمرت في دواخله أسئلة شتى: ما الذي تحمله إليَّ أيها الموعد الجديد ، أخبارًا أم وصايا ، أم مهمات أُخر تُضاف إلى سابقاتها؟ ها هو جسدي يلمُّ بعضه على بعض ، وقدمايَّ تسرعان الخُطى نحو الهدف ، والموعد السابعة من هذا الوقت المبكر... ثمة دقائق تفصله عن الوصول ، ما زالت أصوات السيارات ومنبهاتها تعكِّر عليه صفو اللحظات التي اقتطعها من زمنٍ ليس له ، والجسر الحديدي يمتدُّ تحت قدميه المتسارعتين كيما يصل في الوقت المحدد.
عند منتصف الجسر... توقف ، في أعلى نقطة منه ، سرَّح بصره فيما حوله ، ها هو دجلة يجري من تحته بهدوئه الأسطوري مستسلمًا لقدره ، تلمع مياهه تحت خيوط أشعة الشمس المنسابة في كل اتجاه ، أغمض عينيه ، واستنشق بعمقٍ هواءً أنعش روحه المتعبة ، وأيقظ في أعماقه دفقًا من المشاعر أراق مزاجه ، والذي تمنى أن يكون رائقًا لبعض الوقت... أراح يديه على سياج الجسر بعد أن جفَّف بمنديله حبات عرق علقت بجبينه. كانت نسيمات الصباح مترعة برطوبة ماء النهر ، خُيل إليه أنه يستحم في مياه النهر ، الذي انساب برزانته المعهودة لا يلوي على شيء ، يضم بين شاطئيه أسرار تاريخ موغل في عمق الزمن ، وأحداثًا جِسامًا ضمها صدره الواسع النبيل بكرم باذخ ، وأمانة أسطورية. إنه فارس الحياة المجلَّى في هذه البقعة من الأرض ، كأن عصا سحرية أزاحت من أمامه كل المناظر ، لترتسم صورتها على صفحة الفراغ الماثل أمام عينيه ، ها هو الوجه الحبيب بابتسامته الودودة الرائقة ، يحتضن وجوده ، ويمسح أتعابه ، تأوه كأنه يعاني ألمًا قديمًا ، همس يخاطب الخيال: "سأكون دائمًا في الطريق إليك مهما طال بي المقام في هذا المكان أو ذاك".
مشاركات المستخدمين