كتاب " العراق والتحالف الغربي 1991 - 2003 " ، تأليف د. عماد هادي علو الربيعي ، والذي صدر عن دار زهران عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب العراق والتحالف الغربي 1991 - 2003
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

العراق والتحالف الغربي 1991 - 2003
في معنى العدوان
إن في اصل كلمة العدوان معان كثيرة متداخلة لكنها تكمل بعضها بعضا فمنها العدو، وفيها معنى تجاوز الحد من الظلم والعدوان في اللغة معناه الظلم الصراح. واصطلاحا فان العدوان هو سلوك يرمي إلى إيذاء الغير أو الذات أو ما يحل محلهما من الرموز (24). أما من الناحية السياسية فالعدوان هو استخدام القوات المسلحة أو التهديد باستخدامها عبر حدود معترف بها دوليا (25). والعدوان في القانون الدّولي هو (استعمال القوّة من قبل دولة ضد أخرى لا يبرره الدّفاع عن النّفس أو أية استثناءات قانونية معترف بها) (26)، وأن عدم شرعية العدوان من أكثر معايير القانون الدّولي المعاصر جوهرية، و منع العدوان كان هدفاً وغاية منذ عهد عصبة الأمم المتحدة ومن ثم منظّمة الأمم المتحدة. وعليه مما سبق باعتبار العدوان سلوكا يرمي إلى إيذاء الغير فهو ممارسة غير أخلاقية تتحكم في ظهورها عوامل ثقافية واجتماعية وسكانية ولكن الأكثر ظهورا في الصراعات الدولية هي العوامل الاستراتيجية والاقتصادية.
ومما لاشك في أن العدوان لابد أن يعبر عنه باستخدام القوة بمختلف أشكالها العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية لفرض إرادة المعتدي على المعتدى عليه. إن الابتعاد عن مبدأ الحوار والتفاوض في حل النزاعات الدولية المعاصرة يجعل من استخدام القوة المسلحة في حل تلك النزاعات وسيلة إفناء تام أو تؤدي إلى صراع مدمر ليس من النمط الذي كان سائدا في الحروب السابقة بسبب التقدم الهائل في تكنولوجيا الحرب والدمار والأسلحة الغير تقليدية، خصوصا مع وجود وعي دولي إنساني وأخلاقي بضرورة الحفاظ على حياة المدنيين ووسائل عيشهم.ولذلك فقد حصر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في ثلاث حالات فقط وما عداها فهو عدوان يتعين على المجتمع الدولي ردعه قبل أن يقع وردعه وقمعه إذا ما وقع والحالات الثلاث التي سمح الميثاق باستخدام القوة فيها هي:
* استخدام القوة المسلحة إزاء أية دولة كانت أثناء الحرب العالمية الثانية معادية لإحدى الدول الموقعة على الميثاق، إذا كان هذا العمل قد اتخذ أو رخص به نتيجة تلك الحرب(27).
* إباحة استخدام القوة المسلحة في حالة الدفاع الشرعي عن النفس على نحو فردي أو جماعي، ولا تثبت الإباحة إلا بتوافر شرطين:اولهما أن يكون الاعتداء مسلحا،وثانيهما أن يستخدم هذا الحق بالقدر الذي تقتضيه الضرورة اللازمة لدفع العدوان ريثما يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين (28).
* استخدام القوة المسلحة استجابة لمقتضيات نظام الأمن الجماعي وتولاه مجلس الأمن بوصفه الجهاز التنفيذي الذي ينوب عن المجتمع الدولي في الحفاظ على السلم والأمن وليس ليحقق مقاصد السياسات الوطنية لأية دولة أو مجموعة دول بعينها (29).
ونلاحظ أن أي من الحالات أعلاه لا تنطبق على واقع استخدام القوة المستمر ضد العراق الذي يعتبر عدوانا صريحا بحسب تعريف العدوان الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3314 الصادر في 14 كانون الأول / ديسمبر عام 1974 بأنه (استخدام القوةالمسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي صورة تتناقض وميثاق الأمم المتحدة وفقا لنص التعريف ) (30).
وبما أن الحرب ليست وسيلة لحل المنازعات الدولية، وهي لم تعزز عبر التاريخ الطويل مبادئ مثالية وأخلاقية نادى بها فلاسفة العقل والعدالة الاجتماعية. فأن الحرب الأمريكية ضد العراق منذ عام 1991هي حرب قذرة بدوافعها وأهدافها لغرض الهيمنة الأمريكية بسلاح الدمار والابادة الجماعية عن طريق الحصار الشامل الذي استخدمته ضد العراق. وهذا ما ذهب إليه أيضا فرنسيس أ. بويل (Francis A. Boyle ) أستاذ القانون في جامعة ألينوي الأمريكية بوصفه، الهجوم الأمريكي على العراق ليلة 19/20 آذار –مارس/2003 سلوكاغير أخلاقي وجريمة ضد السلام من حيث كونه انتهاكا لقوانين الحرب الدولية المتعارف عليها التي حددتها معاهدة لاهاي لعام 1907عن بدأ العمليات الحربية(31)، والتي لا تزال الولايات المتحدة من الموقعين عليها على النحو الذي تدل عليه الفقرات 20-21-22و23من الدليل الميداني للجيش الأمريكي رقم 27 -10 (الصادر في عام 1956)وبحسب ميثاق نورمبيرغ (1945) وحكم نورمبيرغ (1946) ومبادئ نورمبيرغ(1950) (32).
كما أن التصعيد الفوري في الاستعداء على العراق بعد 2/8/1990 من قبل الإدارة الأمريكية لم يمنح الجامعة العربية الفرصة والوقت الكافي لخلق مناخ ملائم لحل سلمي بين العراق والكويت حيث أفشلت الإدارة الأمريكية التوجهات العربية لنزع فتيل الحرب (33) التي ألحقت بالعراق دمارا" شاملا على مدى ستة عشر عاما استهدف البنى التحتية المدنية بما فيها الجسور والطرق والسكك الحديد ومحطات الكهرباء ومحطات تصفية المياه والمصانع والسدود ومراكز الاتصالات ودور العبادة والمستشفيات...الخ. حيث قال بهذا الصدد السيد احتساري مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بعد زيارته لبغداد في آذار 1991 في تقريه عن الزيارة (..إن معظم الوسائل الداعمة للحياة الحديثة قد دمرت ) (34). وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعربت في إعلان حماية النساء والأطفال في حالة الطوارئ والنزاعات المسلحة، بقـــرار 3318 (د-29) في 14 كانون الأول ، ديسمبر 1974، عن عميق قلقها للآلام التي يعانيها النساء والأطفال من السكان المدنيين، في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة أثناء الكفاح في سبيل السلم وتقرير المصير والتحرر القومي والاستقلال، ضحايا لأفعال لا إنسانية فيصيبهم منها أذى شديد،
وإدراكاً منها لما يعانيه النساء والأطفال من الآلام في كثير من مناطق العالم، وخصوصا في المناطق المعرضة للقمع والعدوان والاستعمار والعنصرية والسيطرة والتسلط الأجنبيين، ودعت جميع الدول الأعضاء إلى الالتزام بالإعلان التزاما دقيقا. وحظرت الاعتداء علي المدنيين وقصفهم بالقنابل، الأمر الذي يلحق آلاما لا تحصى بهم، وخاصة بالنساء والأطفال الذين هم أقل أفراد المجتمع مناعة، وأدانت هذه الأعمال، واعتبر الإعلان تلك الأعمال وجميع أشكال القمع والمعاملة القاسية واللا إنسانية للنساء والأطفال، بما في ذلك الحبس والتعذيب والإعدام رميا بالرصاص والاعتقال بالجملة والعقاب الجماعي وتدمير المساكن والطرد قسرا، التي يرتكبها المتحاربون أثناء العمليات العسكرية أو في الأقاليم المحتلة، أعمالا إجرامية. فالولايات المتحدة بدلا من الالتزام بهذا الاعلان الدولي وحماية النساء والأطفال عمدت إلى قصفهم وقتلهم بالطائرات والقنابل العنقودية والإشعاعية راح ضحيتها المئات من النساء والأطفال ودمرت بيوتهم على رؤوسهم في الفلوجة والسامراء وتلعفر والنجف وبعقوبة وغيرها من المدن العراقية الصامدة، ووفقا لهذا الإعلان فأن أمريكا ارتكبت و ترتكب في العراق أعمالا إجرامية في انتهاك صارخ للقانون والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية.
إن سلوك الهيمنة التي تنتهجه الولايات المتحدة تجاه الأمم المتحدة وأعضائها لا تتواءم مع مبدأ المساواة بين الدول، وأن استخدامها للغة التهديد والوعيد ضد الدول ووصفهم بالمارقة ومحور الشر وما إلى ذلك من الأوصاف والنعوت يخل أخلالاً بالغا بروح التوافق في القانون الدولي، وقد وضع هذا السلوك الأرعن مستقبل القانون الدولي على المحك وأمام مخاطر كبيرة وألحقت بقواعده وإجراءاته وهياكله ضررا بالغا، يحتاج إصلاحها إلى عقود طويلة.
يضاف الى ذلك أن أعضاء دائمون في مجلس الأمن قالوا أن عمليات الدمار تلك قد خرجت عن إطار القرار (678 الصادر في 29 تشرين الثاني 1990)، وتحول القرار المذكور إلى أداة سياسية لتدمير بلد حر مستقل(35)، وهو ما يشكل خرقا فاضحا لأحكام الشرعية الدولية، وانتزاعا لدور مجلس الأمن الذي حدده الميثاق، لكل ذلك صرح الأمين العام للأمم المتحدة دي كويلار بان ما حصل ليس حرب الأمم المتحدة.
إن استثمار التطور التكنولوجي والعلمي والتفوق الواضح والكبير في الأسلحة والقوات في عدوان عسكري سمته الأساسية الاستخدام المفرط للقوة ما هو بحسب تعبيرات القانون الدولي إلا حرب غير عادلة سواء من حيث الآليات والوسائل والأهداف.كما إن استخدام الولايات المتحدة لقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية بهذا الشكل العدواني ضد الشعب العراقي منذ عام 1991متجاوزة بتلك الممارسة العدوانية الحدود التي ترسمها الأعراف الدولية للحروب من حيث إيذاء وقتل للمدنيين وتدمير ممتلكاتهم ووسائل حياتهم وبأسلوب بعيد عن أي منطق إنساني وأخلاقي يعبر عن ممارسة غير أخلاقية لحرب غير عادلة تصل إلى حد الإفناء الكلي، والتدمير الغير مبرر لشعب،اختلفت وتعددت وتباينت المبررات التي ساقتها الإدارة الأمريكية لعدوانها عليه منذ أكثر من ستة عشر عاما أدت إلى احتلاله في 2003 واستباحة سلامته الإقليمية واستلاب استقلاله السياسي ومحو كل مظهر من مظاهر سيادته.