أنت هنا

قراءة كتاب النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تعاني دول العالم الثالث غالباً من مشكلات الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي ، ولهذه المشكلات أسباب عدة ، وقد تجذرت بسبب وجود الظاهرة الاستعمارية ولا سيما المصحوبة بالاستيطان ، وفي ظل هذه الظاهرة نجد أن نمط العلاقة السائدة هو الاستبعاد ، لا الاستيعاب ، أو الا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

الفصل الأول

نشأة دولة جنوب أفريقيا وتطورها

ليس جديداً القول ، ان العصور التاريخية الممتدة حتى القرن السابع عشر ما يزال يكتنفها الغموض والتناقض ، إذ إن الأفارقة الأصليين يتهمون المؤرخين البيض (أي الأوربيين : وهم المؤرخون الوحيدون الذين كتبوا بإسهاب عن المنطقة) بافتعال هذا الغموض من خلال الإهمال والإيجاز وإبراز الآراء المتضاربة والتركيز على الحقبة التي تبدأ منذ القرن السابع عشر([3]) . كما تدل الاكتشافات الأنثروبولوجية على ان جنوب أفريقيا عرفت وجوداً بشرياً قديماً جداً وإن سكان البلاد الأصليين الذين ما زال أحفادهم يعيشون فيها [*] ، قد أتوا اليها من المناطق المجاورة للبحيرات الكبرى في أفريقيا الوسطى بين القرنيين الحادي عشر والرابع عشر . وفي القرن الخامس عشر اكتشف البحارة الأوربيون ولاسيما البرتغاليين مناطق أفريقيا الجنوبية ، إذ نزل البحار(فاسكودي كاما) الشاطئ الأطلسي جنوب غرب أفريقيا عام 1498 ووصل (بارثلميودياز) إلى رأس العواصف[**] عام 1498 . لذا ارتبطت نشأة دولة جنوب أفريقيا وتطورها بالجذور التاريخية لها .

المبحث الأول

الاستعمار وتكوين الدولة

تمثل السيطرة الاستعمارية حداً فاصلاً في تاريخ جنوب أفريقيا الحديث اذ نقلت البلاد من الوضع القديم الذي يتسم بأنه رعوي ، وتقليدي ، ومجزء إلى الوضع المعاصر الذي يتسم بكونه صناعيا حديثا وموحداً ضمن نطاق اتحاد الجنوب الأفريقي في بادئ الأمر ثم في نطاق جمهورية جنوب أفريقيا فيما بعد ابتداء من 31 آيار 1961([4]) .
ان المرتكزات التي تبناها الاستعمار في هذه الدولة كرست لأجل خدمة مصالحه الخاصة في تحقيق الأرباح ونهب خيرات البلاد ولتخدم فيما بعد الأقلية العنصرية البيضاء التي هيمنت على مقدرات البلاد الاقتصادية وهيمنت على السلطة السياسية وممارسة الاضطهاد لشعوب هذه الدولة مدة دامت حوالي 350 عاماً ، عانى خلالها المواطنون الأفارقة السود اشد المعاملات اللاإنسانية قساوة ووحشية . ومن هنا سوف نوضح أثر كل من الاستعمار الهولندي والبريطاني في نشأة دولة جنوب أفريقيا .

المطلب الأول :الاستعمار الهولندي

جاء وصول الهولنديين إلى جنوب أفريقيا متأخراً - خلال القرن السابع عشر - ولم يكن في وسعهم إنشاء مستعمرة بيضاء على غرار المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية. بيد أن تطور الجماعات الهولندية في مدينة الكاب بوصفها مجتمعات مستقرة ، كان يرجع لظروف لم تدخل في الحسبان ([5]) . اذ تأخر الهولنديون في دخول مجال التجارة البحرية مع جزر الهند الشرقية كما هو معروف ، اذ كان البرتغاليون هم اول من اكتشف الطريق إلى الشرق . ففي عام 1485 وصل بارثلومودياز إلى خليج جوا ، وفي عام 1488 وصل برتغالي آخر هو ديجوكاما الى مصب نهر الكونغو ([6]) . اما ذروة هذه الرحلات البحرية فكانت في عام 1498 عندما أبحر البرتغالي (فاسكودي كاما) حول منطقة الكاب فوصل إلى ساحل يعرف اليوم باسم (ناتال)([7]) . ومن هناك اكمل إبحاره إلى الهند. ومهما يكن من الأمر فأن البرتغاليين لم يستقروا في منطقة الرأس (الكاب) فقد كان هدفهم الذهب والعاج والرقيق ، ولم يكن ذلك متوفراً في الكاب ، وحتى نهاية القرن السادس عشر لم يكن ثمة قوة تتحدى البرتغاليين وتنافسهم كسادة لتجارة الشرق الغنية ، وقد انفردوا بالهيمنة على الطرق البحرية مع الشرق نتيجة لتجارتهم ببضائع الشرق ممثلة بالتوابل والسجاد والعطور والأحجار الكريمة([8]).
وفي عام 1595 أبحر الهولندي (كورنيلس هوتمان) حول الكاب حتى وصل إلى جاوا في اندنوسيا . وأصبح واضحاً ان احتكار البرتغال لهذه التجارة المربحة الذي طال أمده كان في طريقه الى النهاية ، التي ثارت ضد أسبانيا وإنكلترا عام (1579)([9])
وقد مارس الهولنديون نشاطاتهم التجارية من خلال شركاتهم ، ففي عام 1600 أنشأت شركة شرق الهند وبعد ذلك بعامين ، اتحدت شركات هولندية مختلفة لتكوين شركة الهند الشرقية الهولندية . وكان لهذه الشركة لجنة مركزية قوية وميزانية ضخمة ([10]) لقد كان يتعين المرور على ساحل غرب أفريقيا ملامسين سيراليون ثم عبور المحيط الأطلسي ، ومن الساحل الجنوبي يتم الإبحار شرقاً عبر المحيط إلى ساحل جنوب أفريقيا ، ومن هناك يتخذ التجار سبيلهم إلى جزر الهند الشرقية ، وفي عام 1647 تحطمت السفينة (هارلم) التابعة لشركة الهند الشرقية الهولندية في خليج (تيبل) ، فانتقل طاقم السفينة المحطمة إلى وادي (تيبل) اذ مكثوا هناك ستة اشهر وقاموا بزراعة الخضراوات وقايضوا السكان المحليين على اللحوم ، وقد كان مناخ الوادي مناسباً وأرضه خصبة وكان ذلك دافعاً للاستقرار ([11]) .
وفي عام 1649 عندما عاد طاقم السفينة هارلم إلى بلادهم . كانوا ما زالوا متأثرين بأيامهم في الوادي ، فكتبوا تقريراً عنه مفعماً بالحماس وكانت استجابة الشركة مشجعة ، فقررت إنشاء محطة على هيئة قلعة ومنتجع في منطقة خليج تيبل وسرعان ما أبحرت بعثة من ثلاث سفن عليها 130 رجلاً وامرأة بقيادة جان فان ريبك ([12]) . إذ وصلت إلى خليج (تيبل) في 4 حزيران عام 1652([13]) .
وفي الوقت نفسه كانت سفن كثيرة تزور (الكاب) بانتظام في طريقها للشرق او عائدة منه . لقد كان (الكاب) مكاناً مناسباً لأن يكون محطة توفر الراحة للبحارة ، وينبغي التأكيد هنا ان هذه المحطة لم تكن إلا مركزاً للراحة وحتى لا يحصل اللبس عند القارئ بين هذا النوع من الاستقرار وبين المستعمرة بمعناها التقليدي ، ويبدو ان المسؤولين في شركة الهند الشرقية الهولندية لم يفكروا في تأسيس مستعمرة في جنوب افريقيا خلال السنوات الاولى . فقد كان عدد الهولنديين في أراضي جنوب افريقيا قليلاً بينما يحتاج استعمار مناطق جديدة إلى عدد اكبر من الرجال . وعلى أية حال فإنه لم تكن هناك حاجة في هذه المراحل المبكرة في الأقل إلى إنشاء مستعمرة استيطان ، لان هذه المحطة او هذا المركز يمكنه - إذا تمت إدارته بعناية - ان يسد احتياجات البحارة الأساسية . ويعد هذا التاريخ (1652) مهماً في حياة العنصريين في جنوب أفريقية اذ سجل أول استيطان أوربي رسمي وقد جلبوا معهم كالفنية أصولية صارمة ، أدارت ظهرها لكل الميول التنويرية التي كانت في أوربا . ولقد طور البوير أو الافريكانيون ، كما سموا أنفسهم لاحقاً ، هوية مميزة فريدة في تاريخ الاستعمار الأوربي فقد ظلوا غير متأثرين بعقلانية حركة التنوير والحكم للثورة الفرنسية([14]) وقد احتفل بمرور ثلاثمائة عام عليه في سنة1952([15])،وقد سجل عام1688 وصول جماعات الهوجونوت المطرودين من فرنسا بسبب الاضطهاد الديني والحروب ألاهلية ، وأدّى توافد الأوربيين إلى الكاب الى اساءة العلاقات مع السكان الأصليين من قبائل البانتو وغيرها وكان للتفوق الأوربي لما يملك من السلاح أثر في هزيمة الأفريقيين وانسحابهم إلى المناطق الداخلية وقد استقدمت شركة الهند الهولندية بعض الأسيويين والأفارقة لمساعدة مستوطنيها في العمل الزراعي وتعايش الجميع من سكان البلاد من الأفريقيين وشكلوا ما يدعى اليوم شعب الكاب الملون وهو نتيجة لتمازج العناصر المختلفة المتزاوجة ، إلا إن هناك بعض الهولنديين رفضوا الاندماج وتمردوا على سلطة الشركة وضرائبها فخرجوا إلى الداخل في بداية لحملة استيطانية جديدة ويقول المؤرخون انه بقي في الكاب عام1795(16000) نسمة بعد ان اندحرت هولندا عام 1795 أمام فرنسا في سلسلة الحروب الأوربية وهزمت أمام الأساطيل البريطانية عام 1805([16]) تحت لواء الصراع الاستعماري أصبح الكاب مستعمرة بريطانية ودفعت التعويضات عن هذه المستعمرات إلى ملك هولندا بموجب معاهدة فينا عام 1814 ([17]) .

الصفحات