تعاني دول العالم الثالث غالباً من مشكلات الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي ، ولهذه المشكلات أسباب عدة ، وقد تجذرت بسبب وجود الظاهرة الاستعمارية ولا سيما المصحوبة بالاستيطان ، وفي ظل هذه الظاهرة نجد أن نمط العلاقة السائدة هو الاستبعاد ، لا الاستيعاب ، أو الا
أنت هنا
قراءة كتاب النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا
المبحث الثاني
التركيبة الاجتماعية
يمثل البناء الاجتماعي (شبكة العلاقات الاجتماعية التي تربط الأفراد خلال حقبة زمنية معينة)([42]) كما يقول راد كلف براون لذا فأن العلاقات المتداخلة بين المراكز والادوار الاجتماعية التي تعبر عنها الجماعات الاجتماعية ، هي التي تحدد طبيعة البيئة الاجتماعية في كل مجتمع.
فالتفاعل بين الجماعات (الدينية والقومية والطبقية) داخل النظام الاجتماعي يفرز قوة اجتماعية - سياسية - تحكم بفعل تكريس معتقداتها وقيمها في عملية التغيير الاجتماعي ، وواقع النظام الاجتماعي والنظام السياسي جزء منه.
إن طبيعة التركيب الاجتماعي في جنوب افريقيا الذي يتسم بالتباين ولاسيما في تركيبه القومي والديني والطبقي خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي للنظام السياسي .
بيد ان هذا التباين العنصري والديني . خلق حالة من التمييز العنصري في الحقوق من النظام السياسي المتمثل بالأقلية العنصرية البيضاء ، وبدوره أدى إلى عدم الانصهار في بودقة الوحدة الوطنية ([43]) .
فهذه الاقلية ليست صاحبة حق في البلاد انما جاءت عن طريق الاستيطان والتوسع على حساب المواطنين الافارقة ، مما يثير المشاكل للنظام السياسي على الصعيد الداخلي .
وعند معاينة التركيبة الاجتماعية نرى أن سكان جنوب افريقيا يقدم لنا ترتيباً معقداً من التركيبات العرقية ، التي اصبحت مادة قابلة للانفجار خلال عهد التمييز العنصري ، عندما استخدمها النظام السابق لاغراض واهداف سياسية وعنصرية مقيتة . فالبيض في جنوب افريقيا كانوا يقرون حالة العداوة والحرب في البلاد وذلك للأصول المختلفة لشعوبها ([44]) .
واستناداً إلى ذلك طبق الموظفون والاداريون الحكوميون وعلى نحو قسري جداً تصنيفات قبائلية وعرقية على حقيقة وواقع اجتماعي مستفيض ، مانحة كل افريقي اسود رقعة تصنيفية قبائلية ، او بطاقة هوية بتصنيف عرقي واحد منفرد ([45]) . كما ان مبادئ التمييز العنصري وعقائده تستند على فكرة مفادها بأن كل مجموعة سكانية سوداء سوف يأتي يوم تكتسب فيه نضجاً كاملاً تاماً مثل شعب المتأفرقينAfrikaner. ولذا يشير الاداريون والموظفون الحكوميون أحياناً الى المجموعات العرقية الافريقية الاكبر وكأنها هي امم . وقد انشأت الحكومة مناطق لغوية لكل من هذه المجموعات ، وخلال الخمسينيات والستينيات حددت لهم مناطق سكنية منفصلة تتوافق وتتناسب مع هوية عرقية متميزة ملحوظة ومدركة تماماً فأن اجزاء كبرى من هذه المناطق اللغوية صارت تسمى بالبانتوستانس ، وبعد ذلك صاروا يحكمون انفسهم ذاتياً([46]) ، واخيراً وفي السبعينيات والثمانينيات فأن اربعة من هذه المواطن وهي ترانسكاي ، بوتسوانا ، وفيندا وسيسكاي ، كانت قد حصلت على استقلال شكلي ، وبالرغم من ان المواطن المستقلة لم تكن تعد أمماً منفصلة من أي بلد ، سوى من جنوب افريقيا يسمون الناس الذين توجب عليهم العيش هناك رسمياً (غير مواطنين او بدون مواطنة) ([47]) لجنوب افريقيا . وقد مكنت سياسات التمييز العنصري من تقوية الحكومة من اجل تحويل الافارقة السود من المدن ومن اجل التحفظ على عنصر العرق في الجوار في المدن الصغيرة للافارقة التي كانت تتنامى قانونياً وغير قانوني حول المدن الخاصة بالبيض ، والعديد من الجوار الساكنين في المدن الصغيرة كانوا قد اعطوا اشارات وعلامات خاصة قبلية ، والمساكن في هذه المدن الصغيرة، كانت على العموم تهمل هذه العلامات والسمات الجبرية المفروضة عليها ، وعلى كل حال ، وقد ردت بفعلها على هذا التقسيم العرقي والفصل العنصري الحكومي ذي الطابع السياسي ، بواسطة التقليل من اهمية ارثهم العرقي او افكارهم نهائياً ([48]) .
اعتنق قسم من سكان جنوب افريقيا المبدأ او المعتقد الذي يقول بأن العرقية هي وجهة او معتقد عفا عليه الزمن ، وهي اداة او وسيلة اختلقتها الدولة والحكومة وعلماء الجنس البشري ، وقد اثيرت هذه الفكرة اصلاً لخلق تقسيم بين الناس لمنطقة او لطبقة معينة من الناس ([49]) .
ان لفظة (قبيلة) كانت تعني او تدل على دلالات ومعاني ازدرائية خلال عهد التمييز العنصري في جزء ما ، بسبب التشويهات التي جاءت من خلال تطبيق وجهة النظر هذه على المجتمع ، فأن مصطلح القبيلة هو مصطلح يرجع الى علم الاجناس البشرية ، وهو يعرف على هذا الاساس بانه مجموعة من الناس يتشاركون في ثقافة واحدة ومتشابهة مثل اساليب المعتقدات والسلوك والعادات وهي تسكن في اقليم او منطقة واحدة معلومة مشتركة ما بينهم - ويرجعون الى اسلافهم - ربما الى سلف واحد مشترك ، ان سكان المناطق البعيدة يستطيعون ان يرجعوا الى الوراء زمناً ليعرفوا الناس اجدادهم ثم بجدهم المشترك مع العديد من جيرانهم. واخيراً ففي عام 1993 وفي عام 1994 عندما انعتقت البلاد من عهد العنصرية البائد فأن العديد من الجنوب افريقيين صاروا فعلاً هذه المرة يبحثون عما يدعون به من ارثهم العرقي لاعطاء الآخرين مقدار الفخر بالاسلاف ([50]) .
أدرك الزعماء السياسيون الجدد الفائدة العملية في تشجيع الناس كي يعرفوا انفسهم بكلا الاسلوبين معاً ، بالسمة الوطنية وبالسمة الاجتماعية القبلية فكلا الامرين ليس فيهما مضرة وانما العكس لان الصفة القبلية لها ما في اقدم كثيراً من الصفة الوطنية ، ولكن الصفة الوطنية هي الاهم لانها تضع الجميع امام قانون واحد يحدد الواجبات والحقوق ، ولذا فأن دستور عام 1994 اعاد التأكيد على اهميته العرقية بتحديد تسع لغات افريقية كاللغات الرسمية للبلاد فضلاً عن الانكليزية والافريكانية ([51]) .
لذا سوف نتناول في هذا المبحث التركيبة القبلية لمجتمع جنوب افريقيا على ان نتناول في مبحث لاحق التركيبة اللغوية والدينية .