أنت هنا
نظرة عامة
كتاب" لهيب الثلج " ، تأليف :حسن شوتام، والذي صدر عن مؤسسة شمس للنشر والاعلام ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
من ورمٍ خبيثٍ أتلف العين ، وبعدها الدماغ ؛ ماتت "هنو" ، أضحت أختها "حادَّة" وحيدة ، تَجْرِشُ الحسرة كل يوم ، رهينة الصمت والوحشة... الأقارب ؟ بعد مراسيم الدفن أثارت نِعالهم غبار المقبرة ، بدَّدته الرياح وتفرقوا كيما يستأنفوا انجذابهم إلى الكدح فالهلاك.
كوخها التابوتيّ هذا الصباح رَفّهَهُ البياض ، دَاخِنَتُهُ بالكاد تلفظ ما بجوف المدفئة من غبن وسواد ، ربما "حادَّة" قرّرت خرق إضرابها عن الطعام ! دقائق فقط ، تُخلخل باب كوخها العتيق ، رغم الوهن تدفعه ، فقد نالت منها النكبة ، وما عادت قادرة على فتح باب علقت به نفثات من ثلج يناير !... أخيرًا تستعين بقضيب من حديد ، تغرس نصفه بين حافتيه ، وما فضل تمنحه طاقتها مزيحة في الاتجاه المطلوب ، وبغمغمة بربرية جافة ، يستسلم الباب متمايلاً أمام رغبة لجوج في معانقة الحياة... وجه شاحب... قدمان حافيتان مفلطحتان تغلفهما طبقة سميكة داكنة من الجلد الجرانيتي ، تعفيها من انتعال خُفّيها ، حتى وهي تقصد حظيرة المواشي ، متجاهلة لسع الثلج ، تسوقها هذه الحاجة للاجتماع ! كيف لا والفراغ يأكل جسدها كل يوم ، وليس من أحد تسكن إليه ، ويعزِّي نفسها ، غير بقرة ناتئة العظام ، وخمس دجاجات تقرقر بصوت أشبه بالنحيب !
ألقت "حادة" نظرة ضائعة على الزريبة ، اقتربت من البهيمة مسَّدتْ جلدها الأغبر ، فيما أنشأت الدجاجات تنقر بخفة ما دفعت من روث... وقبل أن تغادر المكان ، تفحّصت العظام البارزة ، وتنهّدت عاقدة حاجبيها ، كمن استعادت تيقظها وتفاعلها مع المحيط بعد طول شلل وجمود ، ثم جرجرت بصوت مبحوح: سأملأ هزالك بالكلأ لما ينحسر الثلج !
مشاركات المستخدمين