أنت هنا

قراءة كتاب اصوات مراكش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اصوات مراكش

اصوات مراكش

رواية "أصوات مراكش" أقرب إلى معمار موسيقي شديد الرهافة والدقة والجبروت في آن معاً. ونحن على امتداد صفحاته نجد أنفسنا حيال ثلاث حركات متمايزة ومتناغمة تجسِّد روح العمل.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
والرمز في ألمانيا تماماً مختلف إنه .الغابة الزاحفة.، ففي ألمانيا تمثل الغابة الرحم العتيق الدافئ واهب الحياة، ومانح القدرة على استمراريتها، ومن صرامة الغابة الألمانية وانضباطها يستمد الجيش الألماني مقوماته·
 
لكن الرمز في فرنسا تتكاثف جزئياته إلى حد التعقيد، إنه الثورة، وبالتحديد ثورة 14 يوليو، حين انطلق جمع ظل طوال القرون ضحية للتصور الملكي للعدالة، ليحقق العدالة بكفيه العاريين، فيقتحم الباستيل، منفجراً في المارسييز، ومسجلاً تلك الحيوية التي لا تفتأ تتجدد مع كل استحضار للرمز القومي·
 
لو أننا سايرنا هذا النمط من التفكير -رغم ما قد يكون لنا عليه من تحفظات- فما هو الرمز القومي الذي يمكن أن نتصوره للعرب، وكيف يتفاعل هذا الرمز مع حياتهم النفسية الجمعية؟
 
لأول وهلة لا يبدو التصدي لعلامة الاستفهام تلك أمراً يسيراً، وهذه الصعوبة شديدة الأهمية في الدلالة على الوضعية الراهنة للرمز، وعلى تمزق النسيج الذي يربط الأمة بوعيها، على نحو يندر أن نرى له نظيراً· مع ذلك فإن نظرة مدققة كفيلة بأن توضح أن الرمز القومي للعرب هو الصحراء، حقاً إن الكثيرين منا قد يعيشون أعمارهم وأعينهم لا تكاد تلمح الصحراء، إلا في إطلالة سريعة، ينطبق هذا القول على أبناء الريف النهري، الذين لا يعرفون درباً إلى خارج قراهم، وقاطني المدن الذين ينفقون أعمارهم في سراديبهم الأسمنتية المغلقة كالقبور، مع ذلك فالصحراء كامنة في صدورهم جميعاً، حاضرة ذلك الحضور المتوهج، الذي لا يملكه إلا الرمز، وما من دليل على ذلك أقوى من خروج العرب للصحراء وقت الخطر للقتال، وهي تجربة -على عكس ما يتصور الكثيرون- نم حسن طالع أبناء هذه الأمة أن خاضوها مؤخراً؛ ففي الصحراء، وفي أقل من نصف عقد من الزمان، تهاوت في صدور جيل بكامله من الشباب العربي كل البنى والهياكل والتراكيب، التي فرضت على الحياة العربية، منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ورغم كثافة غبار الانكسار، فإن الأعمى وحده هو الذي يعجز عن تبين -في قلب الركام- ملامح ما هو آت·
 
مع ذلك، فإن ثمة ملاحظة دقيقة لا بد من تسجيلها هنا، حقاً إن الصحراء هي بالنسبة للعربي المنطلق، وهي أيضاً المآب، وهي بين هذا وذاك المعقل الحقيقي، الذي يلاذ به وقت الخطر تلمساً للقوة، ووقت البلاء نشدانا للحكمة (هل لنا أن نتذكر أنه حتى في القرى النهرية يرحل السكان بأطفالهم مع ميلادهم إلى الصحراء، التماساً لبركات الأولياء المدفونين في الصحراء، هكذا يفتح الطفل العربي عين الدهشة في مطلع حياته على الصحراء في تجردها الصامت كالسيف، ثم يغمضها عليه أيضاً، إذ إن معظم المقابر حتى في مثل هذه القرى وفي المدن موجودة في الصحراء؟) نقول حقاً إن الصحراء هي المنطلق والمآب، لكن الخطير أيضاً أن هذا الرمز شرع في الشحوب، وشحب معه الوعي القومي، وسقط العرب في الأرض الخراب بين رمز قديم يجري هجرانه بضراوة، ورمز جديد لم يتبلور، وليس ثمة ما يدل على أنه موشك على التبلور قريباً·

الصفحات