قراءة كتاب لخضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لخضر

لخضر

رواية "لخضر" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، وهي الرواية التي وصفها الناقد الأردني "سميح الخطيب" بالمتميزة والمعقدة في آن واحد، حيث قال "الخطيب" في مقالة نشرتها صحيفة الغد الأردنية أن رواية "لخضر" بأبعادها ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
الفرصة التي تأتي مرة واحدة في العمر· تأتي فجأة وأحياناً جاهزة لا تنتظر سوى ركوبها والذهاب بعيداً. كانت تبدو فعلية وهو يتعرف على عمله الجديد، وعلى الأشخاص الذين التقى بهم في أول يوم له في الميناء. كان بعضهم ينظر إليه بنظرة شفقة أو سخرية· لكنه أراد أن يكسب الرهان، ليس لشيء سوى لأجل نفسه. لأجل أن يحقق حلمه الذي صار مرتبطاً برجولته·
 
ـ يجب أن تثبت لهم أنك قوي وقادر على القيام بالعمل على أحسن وجه يا ابني يا لخضر!
 
قالها له شخص ما زال قوياً وقادراً على العمل رغم تقدمه في السن. كان واضحاً أنه يحمل لوالده مشاعر طيبة، فقد أضاف كأنه يهمس له بشيء خاص:
 
ـ عليك ألا تخيب ظن أبيك فيك مرة ثانية· إنه يعتمد على الله ثم عليك لتحمل المسؤولية معه. لقد صرت رجلاً.
 
ـ...
 
ـ اسمع كلام عمك إبراهيم وكن في مستوى الثقة، مرحلة التجريب ستنتهي بسرعة، وأريد أن أراك دائماً هنا·
 
قالها والده وهو يبتعد لبدء عمله الصباحي اليومي· كانت تلك أول مرة يرى فيها عمل والده على الطبيعة· لأول مرة يراه يحمل على كتفيه تلك الأكياس الكبيرة· كان يترنح أحياناً في مشيته من ثقل الحمولة التي ينقلها من رصيف الميناء إلى مستودع معد لتصفيف الكياس التي تأتي من وراء البحر بانتظار أن يأتي أصحابها لاستلامها وأخذها على متن شاحنات النقل· صعقته الصورة أول اليوم، مع أنه يعرف جيداً نوع عمل والده، إلا أن المشهد هزّه جداً· نظر إلى إبراهيم الذي كان يبتسم بهدوء·
 
ـ هذا هو العمل هنا يا بني!
 
ـ أليس هنالك عربات صغيرة تساعد على نقل البضائع بدل نقلها على الأكتاف؟
 
ضحك إبراهيم ضحكة طويلة وهو يرد عليه بنفس الصوت الطيب:
 
ـ إنهم يذلوننا بهذه الطريقة· لن يستوردوا عربات نقل صغيرة لأنهم يضعون ثمنها في جيوبهم· نحن نعتمد على قوة تحملنا في العمل لا أكثر، وعليك ألا تخيب أمل أبيك!
 
أحس لخضر بحزن غريب وهو يتساءل: هل هذه هي الحياة التي نولد لأجلها؟ شعر أنه يكره هذه المهنة لأنها سبب في كل الغبن الذي ترعرع فيه، وأن والده الذي لم يضمه قط إلى صدره، لم تكن له ذراعان ليضمه بهما بعد ساعات مميتة كان يقضيها في حمل الأكياس على ظهره ذهاباً وإياباً· تذكر أيام كان والده يصاب بالزكام أو التعب المفاجئ، فيرفض البقاء في فرشته خوفاً ألا يجد شغله في انتظاره إن هو غاب عنه بسبب المرض. كان يرى أن عليه أن يبقى مريضاً في الشغل، على أن يبقى مريضاً في فراشه!
 
و مضى الشهر بسرعة غريبة· لم يكن لحضر يجد الوقت للهرب· كان يعود إلى البيت غير قادر على فعل شيء سوى الارتماء على فرشته البالية والاستغراق في نوم متعب· خيل إليه أن جسمه لم يعد صالحاً من شدة الإرهاق ويديه متورمتان من ثقل الأشياء التي يضطر إلى تحمل ثقلها ليثبت للجميع أنه ليس ضعيفاً ولا هشاً· في الأول كان العمال ينظرون إليه بعيون ممزوجة بالسخرية والشفقة، لكنه استطاع أن يثبت لهم أنه قادر على العمل، وأنه يصلح لأن يكون حمالاً جيداً· حتى أنه نسي الهرب!
 
عندما استدعاه رئيس العمال ليبشره بأن المدير وافق على استمراره في العمل، شعر بشيء غريب يتسلل إلى أعماقه· لعل الرئيس توقع منه شيئاً آخر عدا هذا الحزن الذي رآه في عينيه. لم يفهم كيف يمكن لشاب أن يحزن لأنه وجد وظيفة ثابتة. يومها قال له والده بصوت مليء بالسعادة:
 
ـ كنت أعرف أن الله لن يتخلى عني· أخيراً صار لي سند يعينني. الحمد لله !

الصفحات