أنت هنا

قراءة كتاب قليلا.. وشهقة!

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قليلا.. وشهقة!

قليلا.. وشهقة!

رواية "قليلاً...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
محبته الفائضة أغنتني رغم مشاغله المتعددة وسفره، فكبُرتْ مع المتلاحق من سنواتي عمري قدرةٌ على التعايش مع شتّى الظروف والأمكنة، ومع الزمن صرت لا أعرف كيف أعتب عليه أو أنتقص من جهود اهتمامه، أو حتى يخاتلني شبح الشكّ بقلبه لقلّة التقائي به·
 
هذا التعايش حطّ في أعماقي باكرًا·· فالمساحات الفارغة التي خلّفها غياب أمي المادّي الأبدي، وتنقّل والدي مع مسؤوليّاته أتاح فسحة مباركة لحلمي، اكتشافاتي، لإحساسي بقيمة كلّ ما هو حولي، لتربية قوّتي التي تلقّفتُ مفتاحها ذات انكسار مفجع، وما أضعته بعد ذلك أبدًا·
 
الاشتياق كان حليفي في كلّ لحظة من عمري· لكلّ المفقود، الغائب، الموجود غير الممكن أن أطاله، وشوقي المستمر المتبادل مع والدي جعل من كلينا وسادة للآخر، نرمي البوح في استراحات علاجية، ونخرج بعد ذلك أشد بأسًا وحبًا وتعلّقًا·
 
إنه الإشفاق في قلبه والرحمة التي ورّثتني إياها أمي، لا شك·
 
كان صباح آب ساخنٍ، ذاك الذي عرّفني خلاله أبي بـ سارّة· قدّمها إليّ كصحفيّة متمرّسة، ستعينني بتدريب مكثّف تنقضي معه إجازتي بنتائج خطّط لها كلانا· عندما اختليتُ معها في مكتبه بعد مغادرته لاجتماع، ما عاد بإمكاني سرقة التفحّص لتفاصيلها· كان انطباعًا أوليًا قد وضعته لها·· رائحة النعناع تسبقها انتعاشًا، جاذبيّة لحسن عربي أصيل، تسرح شعرها بشكل عملي فتجمعه خلف رأسها بأناقة، داكن مثل قهوة عينيها، تلكما اللتان ضيّعتاني في متاهات فما عدت أعرف أين أخطو لتقرير تاريخها· هذه الـ سارّة، الواثقة المبتسمة، المشبّعة بالتيقّظ للحظتها معي· لكتُ كلمة متمرّسة مع تخميني بأنها لا تتجاوزني بكثير من السنوات عمرًا، لكن الاحتراف تتقنه حتى التفاتاتها، وأحسّني - رغم تغريدي الكثير بنضجي - أجلس إلى جانبها كطفلة تدهشها لعبة خلف زجاج دكّان مغلق، تنتظر إشارة الدخول للتشبّث بالدمية ؛ فلا تبرح أرضها حتى تنالها·
 
لا أعرف أيَّ سرٍّ وراء اهتمامي المزعج بسارّة، ولم أقدر على مبادرة كسر الجمود بيننا، فهي هنا لتلقيني أبجديات تمرّسها المزعوم من والدي، ولهذا كنت مقيّدة بمقعد التلميذ الواجب إثبات جدارته بالدروس القيّمة المقدّمة له·
 
لم يطلْ صمتنا حتى بادرتني:
 
- إنّ لـ جعفر شخصيّة متفرّدة، أغبطك أبوّته·

الصفحات