أنت هنا

قراءة كتاب بيت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيت

بيت

الصفحة رقم: 9
أحمد الصافي النجفي
 
هيهــــات تفـلـــتُ من يــــــدي أبـــــدا
 
ديوانَ شعــــريَ ضمّهــــا ضمّـــــا
 
على مقاهي بيروت ودمشق وبغداد في الخمسينات والستينات، كان يتردد شيخ نحيل زري المنظر، كئيب الهيئة، يرتدي نظارة طبية سميكة، ورداءاً عربياً مُمزّقاً، يمر به الناس فيزدرونه، ولا يعرف أحد أنه شاعر من أكبر شعراء العرب في القرن العشرن، هو أحمد الصافي النجفي·
 
والشعراء يتعاملون مع دمامتهم بوسيلتين مختلفتين، إما الإغراق في النرجسية، أو الإغراق في السخرية من الذات· وشاعرنا طرق البابين، ففي شعره تضخيم مرضي للذات، وفي شعره سخرية لاذعة من الذات·على أن الشاعر، مهما كان دميماً، يستطيع أن يهرب من دنيا الواقع التي لا تحبه فيها امرأة، إلى دنيا الشعر حيث تحبه كل امرأة· وشاعرنا لم يكن بدعاً بين الشعراء حين حوّل الحبيبات الهاجرات، في شعره، إلى حبيبات ملهمات عاشقات·
 
إلا أن شاعرنا، في هذا البيت، لم يكتف بذلك· لم يكتف بتحويل المرأة التي لا تحبه إلى امرأة تذوب فيه هياماً، بل جعلها سجينة يمتلكها ويغلق عليها الباب، ويرمي المفتاح· هذه السجينة هيهات - أي من المحال - أن تفلت من يده - والإفلات لا يمكن أن يعني إلا الهرب من سجن حقيقي· وهذا الإفلات لن يتم أبداً - ولا ضرورة لأبداً بعد هيهات، ولكنه تأكيد المؤكد· وديوان شعر صاحبنا بدل أن يكون حديقة ناعمة تحتوي العاشقة بين ورودها وزهورها، كما هو المفترض، يصبح قفصاً حديدياً يضمها ضمّا مرة أخرى، يجيء المفعول المطلق لتأكيد المؤكد·
 
عاطفة وحشية، حقاً، هي التي يعبر عنها شاعرنا في هذا البيت، عاطفة لا نبالغ إذا اعتبرناها إغتصاباً شعرياً من حسن حظ الشاعر أن المحاكم لا تحاسب على هذا الاغتصاب الوهمي، كما تحاسب على الاغتصاب الحقيقي، وإلا لقضى شاعرنا في السجون وقتاً أكثر مما قضاه في المقاهي·
 
لم يبـــق للجــور في أيامهـــم أثرٌ
 
إلاّ الذي في عيون الغيــد من حَــوَرِ شاعر اندلسي
 
سامح الله هذا الشاعر الأندلسي المجهول، فقد أضاع علينا ساعة ثمينة قضيناها نناقش بيته هذا، بدلاً من أن نتمتع بجمال الطبيعة الأخّاذ في أبها·
 
وتفصيل ذلك أننا، الدكتور عبد العزيز الخويطر والدكتور سليمان السليم، وكاتب هذه السطور، كنا، ذات يوم، في أبها الحسناء، في معية جلالة الملك خالد بن عبد العزيز، رحمه الله وكنا في سيارة واحدة عندما خطر لي أن أعاتب الدكتور الخويطر على المدح العظيم الذي أسبغه على هذا البيت في مقال له ظهر في تلك الفترة، وقلت أنني - بصراحة - لم أفهم البيت، ولا أستطيع أن أعجب بشيء لا أفهمه· ودافع أبو محمد بحماسة خويطرية مشتعلة عن البيت·
 
دار نقاش طويل بيننا، نحن الثلاثة، حتى توصلنا إلى ما يشبه اٍلاتفاق أن الشاعر يزعم أن الجور قد أختفت آثاره في أيام ملوك الطوائف الممدوحين، حتى لم يبق هناك أي جور سوى ذلك الذي تمارسه العيون الحوراء·
 
حسناً ! هذا غلوّ لا أسيغه من ناحية· واعتبار جمال العيون الحوراء - ولا حيلة للمرأة في جمال عيونها - ظلماً مغالطة لا أقبلها من ناحية ثانية· حاول شاعرنا التغزل في ممدوحيه وفي الحسان فلم يوفق في أي من هدفيه - غالى في المدح وتجنى على الحسان· المعذرة من جديد لأستاذنا الدكتور الخويطر، والتحية للدكتور السليم الذي آثر السلامة فوقف على الحياد، ولم يصفق للبيت ولم يستهجنه، وللقراء الكرام الرأي الأخير·

الصفحات