أنت هنا

قراءة كتاب قطعة ناقصة من سماء دمشق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قطعة ناقصة من سماء دمشق

قطعة ناقصة من سماء دمشق

كتاب "قطعة ناقصة من سماء دمشق" ، تأليف : رائد وحش ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوز

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

مسّوس كان عاقلاً ذات يوم، وكان اسمه موسى. تزوّج وأنجب بنتاً، لكن الحياة اللئيمة أفقدته عمله بالتوزاي مع جفاف ثديي زوجته، فسقى الرضيعة حليب بقر لتموت بين يديه وهو يركض بها بحثاً عن طبيب. مسّوس ظلّ يركض بابنته المتخيّلة، حتى قاده الجنون إلى تنظيم السير في بلاد لا يرعاها بالتنظيم إلا الموت.

مسّوس سيموت عما قليل، ربما دون أن يحصل على صفارة وقبعة شرطي. شخصٌ مثله يجعلك ترى موته بالعين المجردة، حتى لو لم تسمع بقصة ذلك الكاتب التي سولَفَها المترجم.

اشتريتُ سندويشة شاورما من المحل الذي اعتُقل عاملُه، وحلّ محله واحد آخر يصنع سندويشات لها طعم البلاستيك المحروق. أكلتُ سندويشتي كعلامة من القدر فيما أفكر بفتح بسطة، لكنْ بسطة ماذا؟ كل ما لدي هو كتبي. ضحكتُ في سرّي فقبل يومين نصحني يوسف بتفصيل مدفأة حطبٍ وإشعال الكتب فيها، ذلك أن الحطب عملة نادرة. قال واصفاً المكتبة: «تكفي لشتائين على الأقل». الناس يسطون على شجر البساتين بالمناشير والفؤوس. يوسف نفسه حطّب لأهله شجرة مشمش عملاقة، وحين اعترضتُ على سلوكه أمام نصيحته الخرقاء بحرق الكتب قال كحكيمٍ: «نموت مع أشجارنا أفضل من أن نموت كلٌّ على حدة».

عدتُ متأخراً من سهرةٍ أعادت رعشة الأيام الخوالي، كنا نتحدّث فيها كما لو أننا نستعيد ذواتنا كبشر.

عدتُ متأخراً وهالني عدد الكلاب التي تملأ الطرقات. الكلاب ملوكُ الليل، لكنها الآن أكثر من ذلك. في السابق كان يكفي أن ترمي حجراً ليهرب القطيع كله، اليوم بدون ضربة حجرٍ ركض ورائي اثنان بنباح لعين، وأقسم أنني أكتبُ هذه السطور باللهاث المتبقي من هربي.

الكلاب مسعورةٌ من أكل الجثث المتراكمة على قارعات طرق الأمكنة الساخنة، وداء الكَلَب يستعيد وهجه.

الحياة بسطاتٌ. التلفزيونات بسطاتٌ. الإنترنت بسطاتُ وَهْم. النساء (وهنا أتحدث عن دلال وأخواتها) بسطاتُ غرائز تشعل دمنا في هذا الصقيع.

الكتابة بسطةٌ أيضاً.. أتذكر صحفياً فلسطينياً أثار ضجة عبر زاوية سماها «بسطة كتابة».

بسطة كتابة.. هذا ما أفعله الآن، فمن يشتري هذا الألم..؟

الصفحات