قراءة كتاب فتيان الزنك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فتيان الزنك

فتيان الزنك

كتاب " فتيان الزنك " ، تأليف : سفيتلانا أليكسييفيتش ، ترجمة :

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 1

أنا أسير وحيدة... الآن يتعيَّن عليَّ السير وحيدة لفترة طويلة...

لقد قتل ابني رجلاً.. بطبر1 المطبخ، بينما كنت أفرم اللحم هناك من أجله.

لقد عاد من الحرب وارتكب جريمة القتل هنا... جاء وأعاد الطبر إلى مكانه في الدولاب حيث أحتفظ بالأواني. أظن أنني في ذلك اليوم أعددت له كستليتة... وبعد فترة أذاعوا من التلفزيون ونشروا في الصحيفة المسائية أن الصيَّادين انتشلوا من بحيرة المدينة جثَّة... مقطَّعة الأوصال... وهتفت لي صديقتي قائلة:

- «هل قرأت؟ جريمة قتل ارتكبها محترف... بالأسلوب الأفغاني...».

كان ابني في البيت راقداً على الديوان ويطالع كتاباً. لم أكن أعرف شيئاً عن الأمر، ولم تساورني التكهُّنات، لكنني لسببٍ ما نظرت إليه بعد تلك الكلمات... إنه قلب الأم...

هل سمعتم نباح الكلاب؟ لا؟ إنني أسمعه حالما أبدأ بالحديث عن ذلك، أنا أسمع نباح الكلاب، وكيف تهرول... هناك في السجن، حيث يُحتجز ابني الآن، كلاب بوليسية سوداء كبيرة. وجميع الأفراد هناك يرتدون البزَّات السود فقط. عندما عدت إلى مينسك، وحين كنت أمشي في الشارع بمحاذاة محل بيع الخبز وبيدي قطعة خبز والحليب كنت أسمع أيضاً نباح الكلاب ذاك، نباحاً يصم الآذان. سأصاب بالصمم بسببه... وكدت مرَّة أن أقع تحت عجلات سيَّارة بسبب ذلك...

أنا مستعدَّة للذهاب إلى قبر ابني، ومستعدَّة للرقاد إلى جانبه. لكنني لا أعرف... لا أعرف كيف أحيا مع هذا كله. وأحياناً أشعر بالخوف من دخول المطبخ، ورؤية ذلك الدولاب الذي يوجد فيه الطبر... هل تسمعون؟ ألا تسمعون شيئاً... لا؟

أنا الآن لا أعرف حال ابني، وكيف سألقاه بعد خمسة عشر عاماً. لقد صدر الحكم عليه بالحبس الشديد لمدة خمسة عشر عاماً. كيف ربَّيته؟ كان مولعاً بالرقص الكلاسيكي، وسافرت معه إلى لينينغراد لزيارة متحف الأرميتاج. وكنا نطالع الكتب سوية... (تبكي) لقد سلبتْني أفغانستان ولدي...

تلقَّينا من طشقند برقيَّة: استقبلوني، بالطائرة كذا... وهُرعت إلى الشرفة، وأردت أن أصرخ بأعلى صوتي: «إنه حيٌّ يُرزق! ابني عاد حيَّاً من أفغانستان! لقد انتهت الحرب الرهيبة بالنسبة إليَّ!» وأُغمي عليَّ. طبعاً تأخَّرنا في الوصول إلى المطار، كانت الطائرة قد وصلت منذ وقت بعيد، ووجدنا ابني في الساحة. كان مستلقياً على الأرض ويمسك العشب بقبضته ويعجب لكونها خضراء. لم يصدق أنه عاد... لكن لم ترتسم على وجهه علائم البهجة.

في المساء جاء إلينا الجيران ومعهم صبيَّة صغيرة، ربط رأسها بشريط أزرق زاهٍ. وأجلسها في أحضانه، ثم صار يعانقها ويبكي، والدموع تنهمر وتنهمر مدراراً من عينيه. لأنهم كانوا هناك يقتلون. وهو أيضاً... وقد أدركتُ ذلك لاحقاً.

الصفحات