أنت هنا

قراءة كتاب رواية الواقعية الرقمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رواية الواقعية الرقمية

رواية الواقعية الرقمية

بعد نشر روايتي الثانية ظلال الواحد في نسختها الرقمية على شبكة الإنترنت فوجئت بأن العديد أو الغالبية العظمى من المثقفين في وسطنا الأدبي لم يقرأ الرواية، واتضح لي أنّ هناك العديد منهم لا يعرف حتى التّعامل مع جهاز الحاسوب، بينما قال البعض الآخر إنهم غير معتادي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

فلسفة الخيال \ الخيال السلفي والخيال المعرفي

لدينا ثلاثة نماذج استخدمت الخيال لتجاوز المعرفة، لكنّ هذا الخيال لدى ثلاثتها لم يكن خيالاً خلاّقاً مغامراً في المجهول، بل كان خيالاً خلاّقاً مغامراً في المعلوم، أو فيما ترسب منه داخل الوعي الجمعي البشري للماضي السحيق والقريب·
لقد كتب هؤلاء وأبدعوا وهم أسرى للماضي·
من هنا يمكن لنا أنْ نقول إنّ الرواية قد بدأت بداية عرجاء ذلك لأنّ خيالها كان خيالاً سلفياً ارتدادياً·
وفي الواقع فإنّ مجمل سير الرّواية بعد ذلك قد بقي ضمن هذا السياق إلاّ إذا استبعدنا روايات الخيال العلمي لجول فرن ومن جاء بعده من كتاب هذه الرواية - علينا أنْ نتذكر أنّ العديد من النقّاد الغربيين لا يعتبرون جول فرن روائياً - ونعود إلى آينشاين الذي قال: إنّ المعرفة محدودة والخيال غير محدود ونتيجة لهذا الإيمان لديه ولأبحاثه العلمية المتعددة ولدت النظرية النسبية، وكانت النتيجة انعطافة حاسمة في التاريخ الإنساني على المستويين النظريّ والتطبيقيّ العملي، فلأول مرة في تاريخ البشرية أصبح اللعب بالزمن ممكناً وواقعياً·
كان الخيال يسبق المعرفة، لكنّ اينشتاين ومن خلال استخدامه للمعرفة أعطى الإمكانية الحقيقية كي تسبق المعرفة الخيال، فهو حين أمسك بالزمن كسر أسطورة الخيال، وهدم من حيث لا يدري نظرية سبق الخيال على المعرفة، وكان هذا إيذاناً ببدء عصر جديد للبشرية·
وفي الحقيقة فإنه لم يمض كثير وقت حتى جاء من مضى إلى أبعد بكثير مما جاء به آينشتاين، جاء الذي لم يقنن الزمن وحسب كما فعل آينشتاين بل من اخترع زمناً جديداً ومختلفاً عن الزمن السائد وكان هذا هو رائد ثورة المعلوماتية ونخاعها الشوكي بلا منازع بل جيتس·
فإذا كان آينشتاين قد حدّد الزمن ودلّ ولو نظرياً على إمكانية اللعب به، فإن بل جيتس وعلماء ثورة المعلوماتية الآخرين قد ذهبوا بالشوط إلى مداه الأقصى·
لقد أوجدت ثورة المعلومات التي كان بل جيتس رائدها زمناً جديداً ومختلفاً وموازياً للزمن المعلوم وتم إعطاء هذا الزمن اسم الزمن السوبراني· وفي هذا الزمن تلتغي المسافة، فإذا كانت السرعة تساوي حاصل قسمة المسافة على الزمن كما في قانون نيوتن الثاني، فقد أصبحت السرعة عند رموز هذه الثورة تساوي الزمن فقط، حيث إنّ المسافة أصبحت نهاية تقترب من الصفر فإذا ما التغت المسافة فإن هذا يعني بدوره إلغاء الجغرافيا· لقد ألغت الثورة المعلوماتية الجغرافيا = المكان = المسافة· هذا واحد·
أما الثاني فإنّ إلغاء الجغرافيا يعني بالضرورة انتفاء الواقع، لأن الواقع أحداث تحدث ضمن الجغرافيا، وحيث إنّ لا جغرافيا فلا واقع·
أمّا الثالث فإنّ الزمن الآخر يعني بالضرورة وجود واقع آخر ذي أحداث تحدث في جغرافيا أخرى ولقد أعطت الثّورة هذا الواقع الآخر اسم الواقع الافتراضي Virtual reality كما أسلفنا وفي هذا الواقع هناك أحداث تحدث وجغرافيا وزمان، لكن هل هذا سيعيدنا إلى الخيال الذي تحدث عنه آينشتاين؟؟ الإجابة نعم ولا·
فما يحدث هو خيال بالتأكيد، ولكنه خيال واقعي، مادي ملموس ومحسوس - خيال معرفي- فأنا حين أجلس ست أو سبع ساعات متصفحاً شبكة الإنترنت مثلاً، فإنني أعيش في عالم آخر وواقع آخر، متخيل من جهة، ولكنه حقيقي ومحسوس من جهةٍ أخرى· و لأنّ الخيال الذي تحدث عنه آينشتاين هو خيال لا محدود يسبق المعرفة، بينما الخيال الذي أوجدته الثورة هو خيال معرفي لا محدود وواقعي تماماً· لأول مرة في التاريخ البشري تسبق المعرفة الخيال ·
***
حين جاء ابن عربي قبل حوالي الألف عام تحدث عن الظاهر والباطن، وعن الحقيقة وعين الحقيقة، فالحقيقة هي الظاهر وبالتعبير الرقمي هي ألـ Actual reality، وعين الحقيقة هي الباطن أو ألـ Virtual reality ، وكما أوجد بل جيتس وزعماء الثورة الآخرين عالماً آخر غير العالم الموجود فعل ابن عربي·
لقد ناقش ابن عربي الخيال فليس إلاّ الخيال والخيال لا موجود ولا معدوم، ولا معلوم ولا مجهول، ولا منفي ولا مثبت
ويعطي ابن عربي للخيال اسم البرزخ فإذا قلت وما عالم البرزخ قلنا عالم الخيال
والبرزخ كما هو معروف لغة هو ما يفصل بين عالمين ويصل بينهما في ذات اللحظة ولما كان البرزخ أمراً فاصلاً بين معلوم وغير معلوم، وبين معدوم وموجود، وبين منفي ومثبت، وبين معقول وغير معقول سمي برزخاً اصطلاحاً، وهو معقول في نفسه، وليس إلاّ الخيال، فإنك إذا أدركته وكنت عاقلاً تعلم أنك أدركت شيئاً وجودياً وقع بصرك عليه، وتعلم قطعاً بدليل أنه ما ثم شيء رأساً وأصلاً، فما هو هذا الذي أثبت له شيئية وجودية ونفيتها عنه في حال إثباتك إياها؟
يقول نصر حامد أبو زيد في شرحه لمفهوم الخيـال عند ابن عربي إنّ الخيال عند ابن عربي خيالان: الخيال المتصل، والخيال المنفصل، فالخيال المتصل هو الخيال بالمعنى السيكولوجي باعتباره أداة إنسانية للإدراك والمعرفة، والخيال المنفصل هو الخيال الوجودي بجانبه الفيزيقي والميتافيزيقي
وبتعبير العصر الرقمي فإنّ الخيال المتصل هو الواقع الحقيقي والخيال المنفصل هو الواقع الافتراضي·
يلتقي بل جيتس وابن عربي في هذه النقطة ولكنهما يختلفان في أسلوب التطبيق·
يلتقيان من حيث إنّ العالم الواقعي والعالم الافتراضي يلتقيان وينفصلان في ذات اللحظة أو أنهما يلدان بعضهما البعض وبتعبير ابن عربي من الخيال المنفصل يكون الخيال المتصل
كذلك الحال مع الشخص الذي يجلس أمام الكمبيوتر لمدة خمس أو ست ساعات غارقاً في عوالم الإنترنت، فهذا الشخص موجود في العالمين في ذات اللحظة، فهو لا موجود ولا معدوم، ولا معلوم ولا مجهول، ولا منفي ولا مثبت
وربما كان الشخص الموجود في العالم الافتراضي أكثر حضوراً وحقيقية مـن ذات الشخص الموجـود في العالم الواقعي فـ المتصل يذهب بذهاب المتخيل، والمنفصل حضرة ذاتية قابلة دائماً للمعاني
وهذا القابل دائماً للمعاني بحاجة إلى رواية أخرى جديدة ومختلفة لتعبر عنه وعن واقعه الجديد وهذه الرواية هي رواية الواقعية الرقمية·

الصفحات