موضوعات النثر فــي العصر الحديث

لقد كانت موضوعات النثر في العصر الحديث من الكثرة بحيث يصعب الالهام بها جميعاً ولكن اهمها تمثل في الاتي:
1. الدفاع عن الشعوب المظلومة التي ظلت تئن تحت وطاة العبودية والعسف فترة طويلة من الزمن، فقد سامها الحكام خسفاً وذلاً يرونها من خلاله جزء من ادواتهم وحاجياتهم المستمرة لخدمتهم فقط اما حقوقها في العيش الكريم والحرية فلاحق لها في ذلك وما عليها إلا السمع والطاعة وقد عبر عن هذا الحال الامام محمد عبده خير تعبير حيث يقول: "ان أهالي مصر قبل عام 1293هـ، كانوا يرون شؤونهم العامة بل والخاصة ملكاً لحاكمهم الأعلى ومن يستثنيه عنه في تدبير امورهم، يتصرف فيها حسب ارادته، ويعتقدون ان سعادتهم وشقاءهم موكلان إلى أمانته وعدله أو خيانته وظلمه، لا يرى احد منهم لنفسه راياً يحق له ان يبديه في ادارة بلاده، أو ارادة يتقدم بها إلى عمل من الاعمال يرى فيه صلاحاً لأمنه، ولا يعلمون من علاقة بينهم وبين الحكومة سوى انهم مصرفون فيها تكلفهم الحكومة به وتعتريه عليهم، وكانوا في غاية البعد عن معرفة ما عليه الامم الاخرى سواء أكانت اسلامية أو اوروبية..
لقد كان الادب ومنه النثر صدى لهذه الحياة البائسة التي لا مكان فيها للحريات أو كرامة الانسان، يتقنى بها قام به هذا الحاكم الظالم من افعال وضيعة، ويصور سيئاته حسنات، وسخافاته ايات وحماقاته معجزات، ولكن الادب بفهمه الجديد وبفكره المتطور اخذ ينبه الناس إلى هذه الغفلة التي هم فيها ويبين لهم الادواء التي عليهم وطرق العلاج الناجعة في ذلك.
يقف للحكام بالمرصاد يذيع مظالمهم ينقدهم من غير ما هوادة أو رفق، يقول الشيخ جمال الدين الافغاني "انكم معاشر المصريين قد نشأتم في الاستعباد، وربيتم في حجر الاستبداد، توالت عليكم قرون من زمن الملوك والرعاة حتى اليوم، وانتم تحملون عبء نير الفاتحين، وتنئون لوطأة الغزاة الظالمين، تسومكم حكوماتهم الحيق والجور، وتنزل بكم الخسف والذل، وأنتم صابرون بل راضون وتستنزف قوام حياتكم ومواد غذائكم التي تجمعت بما يلتهب من عرق جباهكم بالعصا والمقرعة والسوط وامنتم معرضون فلو كان في عروقكم دم فيه كريات حيوية، وفي رؤوسكم اعصاب تتأثر فتنثر النخوة والحمية، لما رضيتم بهذا الذل وهذه المسكنة.
2. الدعوى إلى الاخذ بنظام الشورى في الحكم، حتى تشعر الامة ان مقدراتها بيدها، وحتى تأمن جانب الحكام وعبثتم بكنوزها وأرزاقها، بل مقامرتهم على استقلالها وحريتها، وحتى لا تدع للاجانب حجة يتكئون عليها من اشرافهم على الحكومة وادارتها فمن ذلك ما قاله جمال الدين لافغاني رداً على توفيق باشا الذي اتهم الامة المصرية بالخمول والجهل قال الافغاني "ليسمح لي سمو امير البلاد ان اقول بحرية واخلاص: ان الشعب المصري كسائر الشعوب لا يخلو من وجود الخامل والجاهل بين فراده، ولكنه غير محروم من وجود العالم والعاقل فبالنظر الذي تنظرون به إلى الشعب المصري ينظر اليكم، وان قبلتم نصح هذا المخلص، واسرعتم في اشراك الامة في حكم البلاد عن طريق الشورى فتامرون باجراء انتخابات نواب عن نواب الامة لسنت القوانين وتنقذها باسمكم وارادتكم يكون ذلك اثبات لعرشكم وأدوم لسلطانكم.
3. محاربة الاستعمار واثارة الحمية الوطنية في نفوس الشعوب المستذلة التي غلبت على امرها وقادها ملوكها وزعماؤها إلى الدمار والخراب فجاء الادب ليصرخ في هذه الشعوب صرخات مدوية لعلها تفيق من ثباتها وتنهض لمحاربة عدوها الاستعماري البغيض، يقول اديب اسحاق تلميذ الافغاني واحد الالسنة التي اطلقها للتنديد بالاستعمار وحيله عندما سمع بعض الصحف تشيد بما قدمه الانجليز من عمل يقول: "فهل خفي عن تلك الصحف ان من شفقة الصياد على الطير القاؤه الحب بين يديها؟ أو لمتعلم ان القائل بهمجية المصريين، المعتقد بانحطاط مداركهم لا يطعمهم هذا الفتات الا ليسهل على الانجليز هضم قوتهم والتهام ثروتهم.
كلا ان الجرائد المصرية لا تجهل حقيقة الامر، ولكنها لا تستطيع التصريح علماً بان اللص العازم على سرقة الحقوق الوطنية يكره النور، فاذا حاولت الجرائد اظهاره سارع إلى اطفائه بتعطيلها والغائها.
يا أهل مصر: اني محدثكم حديثاً غريباً، اذا كان امراؤكم خياركم واغنياؤكم اسخياكم، وأموركم شورى بينكم، فظهر الارض خير لكم من بطنها، واذا كان امراوكم شراركم وأغنياؤكم نجلاءكم واموركم إلى نسائكم فبطن الارض خير لكم من ظهرها.
4. السعي في اصلاح المفاسد الاجتماعية ومحاربة الفقر والجهل، ولقد ساق عبد الله نديم هذه المحاورة بين الفلاح والمرابي باللغة العامية، كما اوردها عمر الدسوقي صاحب كتاب في الادب الحديث يقول:" ذهب المزارع إلى المرابي ليقترض مائة جنيه، بفائدة قدرها عشرون في المائة، فقال المرابي: حسن ساخصم من المائة عشرين فتستحق ثمانية واضيف الفائدة وقدرها عشرون فيكون الدين مائة وعشرين" ووافق الفلاح لجهله بالحساب، وبذلك اخذ ثمانين جنيهاً ليسددها مائة وعشرين، وحين السداد جاء بكل ما انتجته ارضه فاشتراه المرابي بابخس الاثمان، وخرج الفلاح بعد بيع محصوله الكبير مديناً بمبلغ مائتي جنيه في حين ان المرابي لو قدر المحصول كما يجب لسدد الفلاح دينه ودفع له المرابي فوق ذلك مائة جنيه، ولكنه الجهل والغش.
وهكذا امتد افق الكتابة النثرية إلى جميع الاغراض والموضوعات السياسية والاجتماعية، وكانت الصحف الناشئة وقتها خير مصيب على بث هذه الاراء الجرئية والارشادات النافعة، والنصائح الثمينة التي حركت الهمم واثارت العزائم، ومهدت الطريق لنضج لشعوب العربية والاسلامية.
وكان بجانب هذه الأغراض موضوعات اخرى ادبية خالصة طرقها النثر من ذلك: الوصف، والتعزية، والتهنئة، والحديث عن الامور الجمالية والعاطفية والذوقية وغيرها.
كما عمل الادباء على تعليم الكتاب والمتعلمين طرق الكتابة النثرية وشروطها السليمة وانواعها، يقول الشيخ خليل اليازجي في الانشاء: "الانشاء ملكة راسخة في النفس يعين عليه سلامة الذوق وطول المزاولة، والناس فيها طبقات متفاوتة مرجعها في الاكثر إلى بداهة الخطر، وذكاء البصيرة وغزارة الحادة، وله أحكام اذا راعاها المجيد نبغ فيها، واذا راعاها الضعيف استانس بها، فأعانته على الجري فيها".