بدايــة العصر الحديث وبوادر النهضة

الادب الحديث هو ذلك الادب الذي انتجته قرائح الادباء بعد انهيار الدولة العثمانية تعبيراً عن روح المقاومة الكامنة في ضمير الامة العربية الاسلامية رفعتاً للسيطرة والهيمنة الاجنبية المتتالية على تقسيم ما عرف بتركة الرجل المريض.
المنظور إلى التعبير عن كل ما يزكى الثورة ضد الهيمنة أو يمس قضية العقيدة والحرية الانسانية في كل مكان.
واذا كان هنالك من الادباء والنقاد من يرى ان البداية الفعلية للعصر الحديث من دخول الحملة الفرنسية بقيادة نابليون لمصر فان الاستاذ محمود شاكر يذهب في مقدمة شرحه لديوان المتنبي إلى القول: انه من الخطأ القول ان الحملة الفرنسية كانت بداية حركة الاحياء أو البص، وانما سبقها شعور النابهين من ابناء الامة بما الت اليه حياة الامة، وما خالطت عقيدتهم من البدع والخرافات وما اصاب لغتهم من الابتذال، فظهر محمد بن عبد الوهاب بحركته التي تدعو إلى نبذ البدع والخرافات كما ظهر الشوكاني في اليمن والزبيدي صاحب تاج العروس فكانت كل تلك الاعمال وغيرها مؤشرات للتململ من الحالة التي عاشتها الامة طوال الفترة المملوكية والعثمانية".
ومن جهة اخرى يرى محمود شاكر ان الغرب ادرك ان الحياة بدأت تدب في جسم الامة فجهز نابليون حملته ودون موافقة في اذان المصريين ففتحوا اعينهم على ما اتى به نابليون من فنون جديدة كالتمثيل، ومعمل الورق، والمكتبة العامة، والمجمع العلمي المصري، غير انه رحل عام 1801م بمساعدة الحملة التركية التي ساعدت على طرده، وكان في الحملة قائداً البانياً مسلماً وهو محمد علي باشا الذي استولى على حكم مصر عام 1805م.

دور محمد علــي باشا في النهضـة

بعد الثورة التي قام بها المصريون بقيادة الزعيم العالم عمر مكرم على واليهم التركي خورشيد لاستبداده فقرروا عزله واحلال محمد علي محله تمت للاخير هذا البيعة على الولاية.
وأول ما قام به الوالي الجديد لمصر ليرسي قواعد ملكه قضاءه التام على المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة، ثم راى ضرورة اعداد جيش قوي فأسس مدرسة عسكرية، وقام بارسال البعثات إلى أوربا للتخصص في العلوم العسكرية والميكانيكية.
وانشأ مدرسة للطب، وكان المعلمون من الاجانب مما اضطر المترجمون للعودة إلى المعاجم العربية للترجمة.
ثم أنشأ مدرسة للصيدلة واخرى للهندسة وهكذا توالت البعثات للتخصص في شتى المجالات مما كان لها اثرها البالغ في النهضة.
كان للترجمة دور لا ينكر اذ ان النهضة تقتضي نقل العلوم إلى العربية فاسس محمد علي مدرسة الالسن 1836، وعهد بالاشراف عليها لامام النهضة العلمية في مصر الشيخ رفاعة الطهطاوي والذي هاجر في فرنسا برقية الطلاب المبعوثين إلى هناك.

الطباعــة والصحافــة

كما كان للطباعة دور في نشر واحياء التراث حيث انشئت عدد من المطالع كذلك كان للصحافة دور كبير في محاربة اللغة العامية وانتشار الفصحى، وكانت اول جريدتين اصدرهما الفرنسيين ابان اقامتهم بمصر، ولكن اول صحيفة عربية اصدرت عام 1822 هي "جرنال الخديوي" ثم كانت جريدة الوقائع المصري عام 1828، والتي كان محمد علي باشا بنهاية رئيس تحريرها حيث كان شديد الاهتمام بها ويهادتها إلى ان تنشر فكثيراً ما تدخل في حذف أو اضافة أو تعديل.
ومهما يكن من امر فان محمد علي باشا لم يجعل تركيزه على الادب في تلك الفترة، وانما كان تركيزه منصباً على بناء جيش قوي يحمي به عرشه، ويؤسس دولته، وان وجد بعض الادباء في عصرهم فانهم ربما كانوا من اثار العصر السابق ومنهم على سبيل المثال الشيخ حسن العطار في مصر، والشيخ ناصيف اليازجي في لبنان الذي اضاف اضافات باهرة للتراث العربي مثل شرحه لديوان المتنبي ومؤلفاته في النحو بالاضافة إلى مقاماته التي كتبها.
ونجد كذلك بطرس البستاني الذي اهتم بالمعاجم والكتب الموسوعية، وهكذا اتجهت النهضة السامية وجهة ادبية من اول امرها وامتازت نهضته بالشمولية حيث لم تقتصر على جانب الشعر فحسب وانما تنوعت الوانها فظهر الكتاب والمسرحيون والشعراء وغيرهم.
ونهضت الصحافة من السام على يد احمد السيد باقي الذي اسس لاسلوب جديد في الصحافة يجمع بين السياسة والادب.
وفي مجال المسرح نجد فاروق النقاش الذي يعتبر رائد المسرح في الادب العربي الحديث، وهكذا كانت الحداثة في الشام اشمل منها في مصر إلى ان انتقلت اليها من هناك.
وفي مجال الدعوة ظهر الاصلاحيون امثال جمال الدين الافغاني والشيخ محمد عبده والكواكبي وغيرهم.
وهكذا تعددت وسائل الثقافة وبث الوعي من بعثات خارجية ومؤسسات داخلية وترجمة وصحافة وطباعة فتضافرت كل هذه العوامل وغيرها لتسهم في النهضة الحديثة التي سادت الديار العربية إلى يوم الناس هذا.
وهكذا سارت النهضة بخطى حثيثة من البلاد العربية في عهد محمد وبعد وفاته، خاصة في عهد ابنه اسماعيل باشا الذي استولى على الحكم عام 1863 حيث انتعشت النهضة الأدبية في عصره وأورقت وبشرت بثمار طيبة، فمن أهم المدارس التي أنشاها وكان لها الفضل في نهضة اللغة والادب مدرسة العلوم عام 1871م. التي تخرج منها زعماء النهضة في كافة مجالات الحياة، كما انشا أول مدرسة للبنات، وأنشا دار الكتب التي جمعت الكتب المبعثرة واخرجت العديد من كتب التراث، وغير تلك من المؤسسات التي أسهمت بقدر كبير في النهضة الحديثة.