أنت هنا

قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفتاوى الكبرى الجزء الأول

الفتاوى الكبرى الجزء الأول

كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء الأول، يضم بأجزاءه الخمسة عشر فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسن

تقييمك:
4.63635
Average: 4.6 (11 votes)
المؤلف:
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 5
5 - 5 - مَسْأَلَةٌ :
 
فِي رَجُلٍ قَالَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ ؟ " الْجَوَابُ : أَمَّا كَوْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ، فَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَهْلِ الْبَيْتِ ، وَأَفْضَلُ بَنِي هَاشِمٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَدَارَ كَسَاهُ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ الرِّجْسَ عَنْهُمْ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا } .
 
وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ ، هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ مُنْفَرِدًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ ، وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْفَرِدًا ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : " لَا أَعْلَمُ الصَّلَاةَ تَنْبَغِي عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ وَأَوْلَى ، وَلَكِنَّ إفْرَادَ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ كَعَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مُضَاهَاةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ يُجْعَلُ ذَلِكَ شِعَارًا مَعْرُوفًا بِاسْمِهِ ، هَذَا هُوَ الْبِدْعَةُ .
 
مَسْأَلَةٌ : فِيمَنْ يَبُوسُ الْأَرْضَ دَائِمًا هَلْ يَأْثَمُ ؟ وَفِيمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِسَبَبِ أَخْذِ رِزْقٍ وَهُوَ مُكْرَهٌ كَذَلِكَ ؟ الْجَوَابُ : أَمَّا تَقْبِيلُ الْأَرْضِ وَوَضْعُ الرَّأْسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ السُّجُودُ ، مِمَّا يُفْعَلُ قُدَّامَ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَبَعْضِ الْمُلُوكِ فَلَا يَجُوزُ ، بَلْ لَا يَجُوزُ الِانْحِنَاءُ كَالرُّكُوعِ أَيْضًا كَمَا { قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ : لَا } .
 
{ وَلَمَّا رَجَعَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا هَذِهِ يَا مُعَاذُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتهمْ فِي الشَّامِ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَيَذْكُرُونَ ذَلِكَ عَنْ أَنْبِيَائِهِمْ فَقَالَ : كَذَبُوا عَلَيْهِمْ ، لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ أَجْلِ حَقِّهِ عَلَيْهَا ، يَا مُعَاذُ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ } .
 
وَأَمَّا فِعْلُ ذَلِكَ تَدَيُّنًا وَتَقَرُّبًا فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ .
 
وَمَنْ اعْتَقَدَ مِثْلَ هَذَا قُرْبَةً وَدِينًا فَهُوَ ضَالٌّ مُفْتَرٍ ، بَلْ يُبَيَّنُ لَهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدِينٍ وَلَا قُرْبَةٍ ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .
 
وَأَمَّا إذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ لَأَفْضَى إلَى ضَرْبِهِ أَوْ حَبْسِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ قَطْعِ رِزْقِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ يُبِيحُ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكْرَهَهُ بِقَلْبِهِ ، وَيَحْرِصَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .
 
وَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ الصِّدْقَ أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَدْ يُعَافَى بِبَرَكَةِ صِدْقِهِ مِنْ الْأَمْرِ بِذَلِكَ .
 
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُبِيحُ
 
إلَّا الْأَقْوَالَ دُونَ الْأَفْعَالِ ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ ، قَالُوا : إنَّمَا التَّقِيَّةُ بِاللِّسَانِ ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ ، وَأَمَّا فِعْلُ ذَلِكَ لِأَجْلِ فَضْلِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ فَلَا ، وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَنَوَى بِقَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الْخُضُوعَ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ حَسَنًا مِثْلُ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَيَنْوِيَ مَعْنًى جَائِزًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
 
مَسْأَلَةٌ : فِيمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُودِ أَوْ يَقُولُ إنَّ لَهُ نَجْمًا فِي السَّمَاءِ يَسْعَدُ بِسَعَادَتِهِ ، وَيَشْقَى بِعَكْسِهِ ، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } .
 
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } ، وَيَقُولُ إنَّهَا صَنْعَةُ إدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيَقُولُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَجْمَهُ كَانَ بِالْعَقْرَبِ وَالْمِرِّيخِ ، فَهَلْ هَذَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا ؟ وَمَتَى يَكُنْ مِنْ الدِّينِ ، فَمَاذَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ ؟ وَالْمُنْكِرُونَ عَلَى هَؤُلَاءِ يَكُونُونَ مِنْ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنْ الْمُنْكَرِ أَمْ لَا ؟ الْجَوَابُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، النُّجُومُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ، الْمُسَبِّحَةُ لَهُ ، السَّاجِدَةُ لَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ } .
 
ثُمَّ قَالَ : { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } .
 
وَهَذَا التَّفْرِيقُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ السُّجُودَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ ، إذْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَجَمِيعُ النَّاسِ فِيهِمْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ وَهُوَ قَدْ فَرَّقَ ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ الْكَافِرِ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ .

الصفحات