قراءة كتاب رسالة في الختان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رسالة في الختان

رسالة في الختان

لم أكتب هذه الرسالة لأنال بها درجة علمية فقد حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب عام 1957، كما أنني لم أكتبها لأكسب ثروة مادية أو شهرة معنوية، بل سلكت منهج من سبقني من الأطباء المسلمين الأوائل فدونت خبرتي في حقل الختان خلال مدة طويلة من ممارستي مهنة الطب العام

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 3

قصتي مع الختان

تخرجت من الجامعة ولم أشاهد أو أساهم في أي عملية ختان سواء لطفل وليد أو رجل كبير، بل كانوا يتركون ذلك لاختصاص جراحة الأطفال أو الجراحة العامة؛ كأن لم يكن المسئولون عن برامج التعليم في كليات الطب يعلمون أن تلك العملية الجراحية الصغرى تجري يومياً لملايين الأطفال في العالم الإسلامي، وبطريقة ثبتت مع الزمن، إنما أصبحت بحاجة إلى تطوير شأن الجراحة في بريطانيا فقد تطورت من صالون الحلاقة إلى جمعية الجراحين وقيل لنا إنها كانت تسمى سابقاً «نقابة الحلاقين والجراحين». ومن الصدف أن عمليات «الختان» بدأت واستمرت إلى نهاية القرن الماضي بأيدي الحلاقين، كان من أسماء الحلاق في بلادنا «المزّين»، وصارت كلمة المزين مع الزمن تعني «المطهَّر»، ثم انفصلت عن الحلاقين وصارت مهنة قائمة بذاتها يتوارثها الأبناء عن الآباء. وفطنت وزارة الصحة في بلادنا في منتصف القرن الماضي لتنظيم هذه المهنة فنظمت دورات «للمطهرين» علمتهم أصول التنظيف والتعقيم واستبدلت بعض الأدوات الخشبية «كالمسبار» مثلاً بأدوات معدنية، واستبدلت «الذرور» بمسحوق السولفا والرباط المأخوذ من قطعة قماش مستهلكة إلى الضّمادات النظيفة ولو غير معقمة. ثم تطورت تلك المهنة إلى أن صارت بيد اختصاصات جراحة الأطفال والجراحة العامة، ثم تعلم أطباء الطب العام الذين عملوا مُقيمين في المستشفيات، تعلموا الطهور الجراحي وصاروا يجرون تلك العملية في عياداتهم الخاصة. ومع ذلك بقي قسم كبير من المطهرين يجولون في الأحياء البعيدة حول المدن أو في القرى يحملون حقيبتهم التي كتبوا عليها «مطهَّر للأولاد» أو يجلسون عند مختار القرية أو حلاق القرية ليدعوا إليهم من يشاء أن يطهر ابنه فيذهبون إلى بيته ويطهرونه هناك.
كان من المألوف قبل منتصف القرن الماضي أن الطبيب إذا أراد أن يُطهَّر ابنه يُحضر المطهر إلى البيت ويأتي جاره ليمسك ابنه، كذلك كان من المألوف أن يستدعي الطبيب القابلة لتوليد زوجته في بيتها، ذلك لأن أكثرهم في ذلك الوقت لم يتعلموا الختان ولم يتدربوا على الولادات ماعدا الذين تخصصوا في النسائية والتوليد، ولذلك بقيت المستشفيات للولادات العسيرة أو النازفة حيث أضافوا بضعة أسِرّة في المستشفى الجراحي لهذه الغاية، وبقي الجراح في المستشفى يعالج نزف الطهور إذا حدث مع المطهر ولكنه لا يجري الطهور بالطريقة الجراحية إلا لخاصة الخاصة. وعلى ذلك فأمهاتنا ولّدْتهن «الدّايات» ونحن طهّرنا «المطهرون»، والله أعلم بالنتائج.
وعتبنا على الزمن: إذ لم يطوَّر أطباؤنا المسلمون عملية الطهور خلال القرنين الماضيين بل بقيت كما كانت منذ أكثر من ألف سنة. إن المسلمين واليهود مأمورون بحكم العقيدة الدينية بإجراء الختان لأطفالهم، ولذلك طوروا في أمريكا طريقة «للختان» بالملقط الجرسي الذي يغطي رأس الحشفة كما سأشرح ذلك؛ أما المسلمون فبقوا على طريقتهم التي استمرت منذ عدة قرون؛ وللطريقتين «محاذير» سأذكرها فيما بعد.
بالصدف وأنا طبيب مقيم في التوليد والجراحة النسائية سألني مدير المستشفى: هل أجريت عملية طهور، فأجبته بالنفي؛ قال إذن تذهب معي وأخذني إلى مستشفاه الخاص حيث كان سيجري عملية ختان لوليد عمره يومان، فتكرم عليّ وأخذني معه لأساعده ويعلمني؛ وفعلاً أجرى العملية بالطريقة الجراحية في غرفة العمليات إنما بدون تخدير فالطفل بكى كثيراً ونزف شيئاً من دمه «القاني» وخيطنا الجرح وانتهت العملية بعد أكثر من ساعة.
حصل في عام 1958 وكنت حديث عهد بالعيادة الخاصة وفي الأيام الأولى لثورة العراق – التي حصلت في ذلك العام – أن تعطَّلت المواصلات وانقطع الناس عن الدوام بسبب نقص وقود السيارات، فاغتنم الكثيرون الفرصة وأجروا عمليات ختان لأولادهم حسب الطريقة العادية بواسطة المطهرين وكان أكثرهم أطفالاً كباراً؛ وبالصدف أصيب كثير منهم بالنزف المستمر ولم يستطيعوا نقل أطفالهم إلى المستشفى، ولما كنت الطبيب الوحيد في محطة عمان آنذاك صاروا يحضرون الطفل إلى منزلي الذي ليس فيه وسائل الإسعاف اللازمة إذ كانت العيادة تبعد خمسة كيلومترات عن المنزل، ففكرت بسرعة ولا أملك أدوات جراحية في البيت ولا يستطيعون الذهاب بابنهم النازف إلى المستشفى لبُعدها، عندها أحضرت مسماراً صغيراً وسخّنته على لهب قطنة مبللة بالكحول وكويتُ الشريان النازف فانقطع الدم رأساً. وهكذا صار كل مصاب بنزف الطهور خلال تلكم الأيام يأتون به إلى المنزل وأقوم بقطع النزف – وطبعاً دون مقابل-، وشاع في عمان بعد انتهاء أزمة المحروقات أني أحسن من يقوم بقطع نزف الطهور، لذلك صار كل من نزف ابنه بعد عملية الطهور يحضره إلى عيادتي الخاصة وأقوم بما يلزم تماماً كما دوالي «وتيرة الأنف» إنما بواسطة مسمار صغير معقم دون حاجة اللجوء إلى الخياطة أو ربط العرق النازف.
بعدها طلب مني الكثيرون أن أجري عملية الطهور وأن آخذ أجوري مهما كانت، فكرت في ذلك وقلت في نفسي إني سأقطع رزق المطهرين، فقالوا خذ أجوراً أعلى وبذلك يأتي من يأتي إليك، أو يذهب إلى المطهر من يريده.
كان صديقنا «نزار جردانة» سيقوم برحلة عمل إلى لندن فأوصيته أن يحضر لي جهازاً «لكوي النزف» دون أن يعرف السبب، وفعلاً عاد ومعه جهاز «محوَّل» صغير لتحويل التيار الكهربائي من 220 فولت إلى 12 فولت مع بعض الأدوات الصغيرة الملحقة بالجهاز، وأهداني ذلك الجهاز مشكوراً، وما زلت أستعمله من سنة 1960 إلى الآن أكوي به نزف الختان أو دوالي الوتيرة أو استئصال الثآليل أو كوي ظاهر عنق الرحم عند السيدات إلى غير ذلك من الاستعمالات الكثيرة، ومازلت أستعمله وأشكره في نفسي بعد كل عملية أقوم بها، بعدها قررت أن أتقبل إجراء الطهور في العيادة بضعف أجر المطهرين. وأول شيء قمت به أني درست «تشريح وغريزة» العضو الذي سأجري عليه الختان؛ وراقبت المطهرين كيف يجرون عملياتهم وذلك في عمان ودمشق ومكة المكرمة، وأحضرت الأدوات اللازمة للجراحة الصغرى من صنع ألماني، وأحضرت «الجهاز الجرسي» بأحجامه المختلفة من صنع أمريكي وخرجت بطريقتي الخاصة.

الصفحات