قراءة كتاب رسالة في الختان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رسالة في الختان

رسالة في الختان

لم أكتب هذه الرسالة لأنال بها درجة علمية فقد حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب عام 1957، كما أنني لم أكتبها لأكسب ثروة مادية أو شهرة معنوية، بل سلكت منهج من سبقني من الأطباء المسلمين الأوائل فدونت خبرتي في حقل الختان خلال مدة طويلة من ممارستي مهنة الطب العام

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 5
لا أكتب هذا للتفاخر بل أكتبه كي يلاحظ الأطباء الشباب أن الضرورة قد تبعثك على اكتشاف الشيء الجديد وأن الملاحظة الفاعلة قد تفتح لك مجالاً لاكتشاف وتطبيق الجديد عملياً.
وكنت على يقين أنه لو حصل عندي أي مضاعفات ولو لطفل واحد من بين «65» ألف طهور أجريته لقامت الدنيا وقعدت واتهموني بالجهل والسعي للحصول على السمعة الطبية والاجتماعية والمادية، لكني طبقت فكرتي هذه أول مرة على أولادي وأولاد أخي وأولاد أختي لأني كنت أثق بنجاحي في تلك الفكرة؛ وأكثر من ذلك بقيت سنوات طويلة لا آخذ أجوراً من أكثر من طهرتهم من زبائني أو معارفي حتى من آخر طفل يوم أمس.
أشير إلى أني أنصح شبابنا الأطباء أنه من الأفضل أن يجروا عملية الختان في النهار لا في المساء فربما حصل نزف ولو بسيط عند الطفل فيستطيع الأهل أن يراجعوا طبيبهم ليقطع النزف؛ أما إذا أُجري الطهور ليلاً ونام الطفل فقد يفقد كمية كبيرة من دمه قبل انتباه الأم ورؤية الدم مما قد يحيج الطفل إلى نقل دم في الصباح.
لم أكن أنانياً فيما حصلت عليه من علم وسمحت لأي طبيب أن يأتي ويتعلم هذه الطريقة من الختان، وبالفعل أتى بعض الجراحين الشباب وكثير من أطباء الطب العام من الشباب والكبار وكذلك أتى بعض المطهرين إنما اشترطتُ عليهم أن يجروا أول عملية أمامي وبعد أن يراقبوني لعدة عمليات وأن يجروا العملية على أحد مرضاهم لا على أحد من مرضاي، وهكذا كان فقد تعلمها الكثيرون وكنت أشرح كل ما أعرفه عن الختان نظرياً وعملياً دون أن أخفي أية معلومة.
أتاني أحد الأطباء الأردنيين وكان يعمل في المملكة العربية السعودية وطلب مني أن يتعلم طريقتي، وبالفعل داوم عندي لمدة أسبوع بقي يراقبني كيف أعمل حتى صار مقتنعاً أنه يستطيع أن يجري تلك العملية بسهولة، وفعلاً أحضر أحد أقربائه وأجرى له «الطهور» أمامي بكل يُسرٍ ونجاح. واعتبرته أتقن عمله ونصحته بشدة أن لا يجري العملية في المساء خشية النزف إذ إنه مبتدئ بهذه المهنة ولو كان متخرجاً من الجامعة منذ عشر سنوات، وتصورت نفسي وأنا أعظه بكل ما أعلم كأنني «شيخ الكار» كما نراه في المسلسلات التلفزيونية في دمشق، حدث بعد سنين أن ترك عمله في السعودية وعاد إلى الأردن وافتتح عيادة طب عام في إحدى البلدات البعيدة عن عمان، ولسوء حظه أجرى عملية ختان لأخوين كبيرين في المساء لكن أصيب الاثنان بالنزف الحاد، اتصل بي هاتفياً علني أستطيع أن أصله فأجبته أنه من الأفضل أن يترك سماعة الهاتف وينقل الطفلين بسيارته إلى أقرب مستشفى لمكان عيادته، وهكذا كان وأُسعف الولدان، لم أعد أرى ذلك الطبيب ولم أسمع عنه شيئاً منذ أكثر من عشر سنوات.
تكررت مثل تلك القصة وحصلت في أحد أحياء عمان البعيد عن عيادتي وفعلاً أصيب الطفل بنزف حاد، اتصل بي الطبيب ورجاني أن آتي لعيادته لإجراء اللازم، لكن كانت نصيحتي له والتي أكررها للأطباء دائما أنه في مثل هذه الحالة خذ «الولد» بسيارتك إلى أقرب مستشفى ولا تنتظر مجيء أحد.
حدثت مرة قصة غريبة لم أكن سببها بل تحملت مسئوليتها المادية، فقد حدث أن طلب أحد «المطهرين» المعروفين أن يتعلم طريقتي تلك وأنه سيجريها على ابنه البالغ خمس سنوات أو يزيد؛ وبالفعل أحضر ابنه وشرحت له الخطوات اللازمة، وأجريت أنا الخطوة الأولى الرئيسية وفصلت القلفة عن الحشفة بالمسبار ثم قبضت رأس القلفة وضغطته بالملقط، ووضعت ملقط «كوشر» حول القسم الذي سنقطعه من القلفة وضغطته للآخر مما يدل أنه في مكانه الصحيح، ثم أزلته وقلت «للرجل المطهَّر» أعد ما أنا عملته وهذا علام الملقط يوضح لك مكان القطع، وفعلاً أعاده حسب الأصول، قلت له إذن أمسك الجهاز واقطع في المكان المطلوب وقرع جرس الهاتف فذهبت لأرد عليه وحينها كان الرجل قد قطع الجزء المطلوب والمُعلَّم عليه من القلفة لكني لاحظت بعض الدم ينزف أكثر من اللازم وعندما أزلت الملقط تبين لي أن جزءاً صغيراً من رأس الحشفة قد قُطع بطول 1مم، عندها وضعت «قثطرة» في المثانة وأجريت الضماد اللازم وانقطع الدم وأعطيته حقنة عضلية مسكنة وحقنة عضلية مضادة للالتهاب وبقي في العيادة ساعة دون أي مخدر وخرج البول من القثطرة بسهولة فأعدته إلى منزله وطلبت منه أن يحضر الطفل في اليوم التالي. فوجئت أنا بالذي حصل لكن الممرضة قالت لي إنه عندما كنت أتكلم بالهاتف فإن «المطهَّر» فك الملقط وأعاده ثانية كي يتعلم وما درى أنه مسك جزءاً من رأس الحشفة.
أتاني أبو الولد في اليوم الثاني وقال أريد أن أضع ابني في المستشفى تحت المراقبة الطبية، فهل عندك مانع من ذلك، قلت لا، وفعلاً أدخلته المستشفى فقط ليطمئن الوالد وليجري له الضماد اليومي. علم بالقصة أحد جراحي المسالك البولية بحكم تردده على المستشفى واتصل بأبي الطفل وطلب منه أن يقدم شكوى إلى نقابة الأطباء، لكن الأب رفض وقال إن ابني بخير وأنا كنت السبب وليس الطبيب وهكذا انتهى الموضوع وكبر الولد دون أي مضاعفات.

الصفحات