أنت هنا

قراءة كتاب 700 يوم في بغداد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
700 يوم في بغداد

700 يوم في بغداد

هذا الكتاب هو محاولة متواضعة لجمع تجارب امرأة عايشت الحرب في بغداد في وقت كانت فيه المدينة مستباحة للعنف والحرب؛ والموت يحصد مئة ضحية في اليوم الواحد.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

رحلة إلى بغداد

ـ‬ لماذا بربك نقوم بهذه المخاطرة المجنونة؟ تساءل دايف بصوت خافت مترقب. أنا جئت من كندا وأنت من السويد، أكثر بلدان العالم سلماً وأماناً، وخلال ساعتين نحط وسط الحرب المستعرة في بغداد. ألست خائفة؟
‫‬ـ أظن أن الفضول يطغى عندي على مشاعر الخوف، قلت وأنا أستعيد في ذهني كل ما قرأت عن بغداد طوال أعوام.‬ ‬‬
عاصمة الخلفاء، وفخر العرب، بلاد ما بين النهرين. مهد الحضارات القديمة التي شكّلت مفاهيمنا الحديثة حول الحق والباطل، والخير والشر، استناداً إلى مدونة حامورابي وملحمة جلجامش التي ألهبت خيالي وسكبت فيّ جنون الرغبة في أن أمشي دروب الحياة بأخطارها ومغرياتها على خطى الملك جلجامش، في البحث عن سر الخلود، ومعنى الحياة‫‬.
انقطع حبل أفكاري عندما دفع دايف صوبي بكوب القهوة. جلسنا في مطار ماركا في عمان هذه الصبيحة من شهر أيار 2005 ننتظر الصعود إلى متن الطائرة الحربية التي ستقلنا إلى بغداد. باحة الانتظار كانت تعج بالأميركيين:‬ من ديبلوماسيين ورجال أمن السفارة ومقاولين وتجار انشغلوا جميعاً في إكمال المعاملات الجمركية قبل الرحلة. وخلافاً لمطار علياء الدولي يقع مطار ماركا وسط العاصمة عمان: مطار صغير مجهّز بعدد محدود من المقاعد غير المريحة؛‬ ومدرج يتسع فقط لطائرات النقل الأميركية.‬
التقيت بدايف لأول مرة خلال الدورة التدريبية الإجبارية في الزرقاء التي تبعد مسافة نصف ساعة بالسيارة عن عمان . حينها كانت الزرقاء قد ذاع صيتها في الشرق والغرب لاعتبارها مسقط رأس زعيم تنظيم القاعدة في بلاد ما بين النهرين أبو مصعب الزرقاوي. هذا الرجل الذي قضَّ مضاجع الأميركيين في العراق وأفلت من قبضتهم مرات ومرات؛ حتى أن مكافأة بقيمة 25 ألف دولار لم تفلح في الإيقاع به.
اسمه ارتبط بأبشع الاعتداءات في العراق؛ ومن بينها الهجوم الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد في آب/أغسطس 2003 والذي حصد 22 قتيلاً.‬ ويحكى أيضاً أنه أمر بخطف وقتل وقطع رؤوس العديد من الأجانب العاملين في العراق وكان الرأس المدبر للعديد من الأعمال الإرهابية في عمان. وهو لشدة قسوته غدا الناس يرتجفون قصباً لمجرد ذكر اسمه. والزرقاوي واحد من هؤلاء العرب الذين توجهوا إلى أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي للانضمام إلى حركة المجاهدين المدعومة من الولايات المتحدة في مواجهة قوات الاحتلال السوفياتية. وعند عودته إلى الأردن حُكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة التآمر على أمن المملكة؛ لمشاركته في التخطيط لانقلاب على العرش وإقامة خلافة إسلامية في الأردن.‫‬
وعندما أُطلق سراحه عام 1999 على أثر عفو ملكي غادر الزرقاوي الأردن متوجهاً إلى أفغانستان ومنها إلى العراق.‬ ‬
وبعد طول تعقب؛ تلقى الأميركيون في حزيران/يونيو 2006 إخباراً عن موقع سري في مدينة بعقوبة السنية قيل إن الزرقاوي اتخذه ملجأ له. فشنوا هجوماً جوياً مكثفاً على المنزل؛ وتوفي الرجل خلال ساعة واحدة متأثراً بجراحه. ونقلت جثته لاحقاً إلى مسقط رأسه؛ الزرقاء حيث أقيمت مراسم الدفن التي حضرها لفيف من أهل السياسية إلى جانب عائلة الزرقاوي ومعارفه.
ففي الزرقاء كان الزرقاوي بطلاً وشهيداً. هناك عرفه الناس باسمه الحقيقي وهو أحمد فضيل الخلايلي.‬‬‬
ولم تكن الزرقاء تتمتع بأية مواصفات جذابة تجعل منها مقصداً؛ بل كانت بالأحرى بقعة من الفقر والإهمال يستخدمها الجيش الأردني للتدريبات الميدانية في المنشآت العسكرية المنتشرة في المنطقة.‬ وبإشراف أفراد من الجيش الأردني جرى تدريبنا على كيفية التصرف في حال تعرضنا للخطف أو الاعتقال؛ أو الاعتداء بسيارات مفخخة أو عند توقيفنا على الحواجز المسلحة. وفي نهاية التمارين سمعنا من القيّمين على الدورة أن سلامتنا الشخصية مسؤولية شخصية يقتضي إزاءها التصرف بحكمة وتعقُّل.‬ واقشعرّ بدني لهذه الحقيقة المقلقة؛ فهبط بطني مرتجفاً إلى أسفل فخذي.
عندما حان وقت الصعود إلى الطائرة ساد هرج ومرج بين المسافرين المنهمكين في ارتداء السترة الواقية والخوذة. دايف وأنا كانت لكل منّا سترة زرقاء اللون محشوة بلوحات معدنية ثقيلة وخوذة من اللون نفسه. وشعرت بنفسي أترنّح تحت وطأة الوزن الثقيل فوق رأسي وكتفيّ حتى كدت أفقد توازني.
‫ـ‬ يا إلهي؛ سأصاب بديسك في ظهري من جراء هذا؛ قلت بلهجة شاكية‫. ‬‬‬‬
وتمتم دايف قائلاً إن معدّاتنا من طراز قديم؛ وإن في الأسواق ستراً وخوذات حديثة أقل وزناً وأكثر فاعلية.
ـ يعني المسألة مسألة فلوس؟
ـ بحق السماء! همس دايف بغيظ. يرسلوننا إلى أخطر بقعة في العالم؛ كان بإمكانهم صرف القليل من المال لتزويدنا بمعدات حديثة.‬
أومأت برأسي إيجاباً بينما كنت أخطو خطواتي الثقيلة باتجاه باص المطار.‫ ‬‬

الصفحات