أنت هنا

قراءة كتاب البدو في فلسطين في الحقبة العثمانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البدو في فلسطين في الحقبة العثمانية

البدو في فلسطين في الحقبة العثمانية

كانت فلسطين ولا تزال رمزاً تاريخياً من رموز الحضارة العالمية بما قدمت عبر شعوبها من قيم للأمم جميعاً ، ومنبراً للإنسانية في تلاحمها وتسامحها بعيداً عن العرق أو الدين أو العقيدة.
تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 3

الفصل الأول

البداوة, الهجرة و الاستيطان في فلسطين
1. البداوة وطبيعتها

إن البداوة هي العيش في البادية والإقامة فيها؛ في كثير من التنقل من مكان إلى مكان وراء الماء والعشب. وتقوم حياة البدو على تربية المواشي وحمايتها. وكانت تقوم في الأزمان السالفة على هذه الأمور؛ إضافة إلى الغزو والسلب. إن مسرح البداوة هي البادية، ثم ما يليها من أطراف الأقاليم المجاورة. وقد فرضت ظروف البادية وتربية الماشية على البدو حياة خاصة، وأكسبتهم عادات ومميزات خاصة. ومن هنا اختلفت حياة البدوي عن حياة أخيه العربي الحضري. بل إن هناك تفاوتا في سبل الحياة، وفي بعض العادات بين البدو من أصحاب الإبل، والبدو من أصحاب الشياه والماعز. فان أصحاب الإبل يعيشون في قلب الصحراء، في حين أصحاب الشياه والماعز يعيشون في الأطراف؛ بين الصحراء والأرض الخضراء، ولا يدخلون إلى قلب الصحراء بمواشيهم إلا نادرا. وقد عرف عالم الاجتماع الدكتور حليم بركات البداوة بأنها: "نمط متميز يقوم في أساسه على تربية المواشي والإبل والأنعام والرعي والترحال بحثا عن الماء والكلأ؛ تلاءماً مع البيئة الصحراوية أو البادية، فقد نشأ هذا النمط من المعيشة في البادية: (أي البداية أو بدء الحياة في الصحراء)، وتكون تاريخيا نتيجة لتفاعل دائم وعميق ولزمن طويل مع هذه البيئة؛ بانسجام مع اتساعاتها الشاسعة، ومحدودية أو ندرة مواردها وقسوة متطلباتها. إن البيئة الصحراوية هي التي حددت في الأساس حجم الجماعات التي قطنتها، وتوزعها، ونزاعاتها، وأصناف تجمعها، والتنظيم الاجتماعي السائد بين هذه الجماعات، وأساليب معيشتها، وثقافتها: من قيم وعادات ومعتقدات وأعراف، وتعبيراتها عن مكنوناتها الداخلية؛ أكان بالشعر أو السرد القصصي أو الغناء"(1). لقد صُنِّف البدو تقليديا إلى ثلاث جماعات بحسب مدى توغلهم في حياة البداوة. منهم من كان معاشهم في الإبل؛ فهم أكثر ظعنا، وأبعد من القفر مجالا، ويمثل هؤلاء أقصى درجات البداوة. ومنهم من كان معاشه في السائمة مثل: الغنم والماعز والبقر.. وهم أقل توغلا في الصحراء، وأكثر استقرارا واحتكاكا بالمدن والقرى. ومنهم من كان معاشه في الزراعة؛ إذ يمتهنون شيئا منها، فيميلون إلى نوع من الاستقرار. وقد لخص ذالك جبرائيل جبور بقوله: "تتدرج البداوة في سلم طويل؛ أوله يلامس الحياة الحضرية ويتصل بها بين الفينة والفينة اتصالا مباشرا، وأخره ثابت في الصحراء، لا تكاد تزعزعه من وطنه قوة ما... وأنواع البداوة الرئيسية ثلاثة : أولها؛ في أسفل السلم، وهي عريقة ثابتة تقوم على تربية الإبل، وأصحابها سريعو التنقل بين أنحاء البادية وأطراف البقاع المعمورة. ولعل هذه الطبقة هي التي تأنف من الخضوع للسلطة والنظام، وهي التي تأبى الجنوح إلى التحضر إلا مرغمة محرجة... والثانية: بداوة تطورت من الأولى لسبب من الأسباب، فهي متوسطة بين البداوة العريقة والبداوة نصف الحضرية، ويستعين أهلها على عيشهم بالإبل والغنم، ولهذا فهم أقل حركة وانتقالا من أصحابهم أهل البداوة العريقة المذكورين. والثالثة: البداوة نصف الحضرية، وتقوم على تربية الماشية من غنم وماعز وقليل من الإبل. ولأهلها علاقات وثيقة مع الآهلين في القرى المعمورة وفي المدن"(2)
وفي كلام مشابه صنف محمد زهير مشاق البدو من حيث نجعتهم، ونمط حياتهم إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي:
أولا: البدو الرحل الذين يعتمدون على الإبل؛ وتكون نجعتهم قد تبلغ آلاف الكيلومترات سنويا، وهؤلاء يعتزون ببداوتهم، ولا يطيقون حياة الاستقرار.
وثانيا: الشاويَّة والبقّّارة، وهؤلاء هم رعاة الشياه ورعاة الأبقار. ولهم نجعة صغيرة لا تتعدى عشرات الكيلومترات بحسب ما تتحمل حيواناتهم من أغنام وأبقار، وقد يزرعون الأرض بالإضافة إلى امتهانهم الرعي. ويخضع الشاوية والبقارة للأعراف والتقاليد البدوية أثناء نجعتهم في البادية، وإلى الأحكام والقوانين العامة، حين يعودون إلى مراكز استقرارهم.
وثالثا: الفلاحون من العشائر المتحضرة التي استقرت منذ حين بعد أن كانوا بداوة، ومن ثم أخذت عشائرهم تحترف الزراعة بالدرجة الأولى، ورعي الماشية بالدرجة الثانية، ويطلق عليهم اسم "الفلاليح" (3)
وعالم الاجتماع صلاح مصطفى الفوال؛ ّعرف البداوة بأنها(4):
1. البداوة هي نمط الحياة القائم على التنقل في طلب الرزق، ويتوقف مدى الاستقرار على كمية الموارد المعيشية المتاحة من جهة، وعلى مدى الأمن الاجتماعي والطبيعي الذي يتوافر من جهة ثانية.
2. البداوة اصطلاح يطلق على فئة من السّكان يتميزون بخصائص معينة وسلوك خاص ترسمه البيئة بهم، ولا تسمح بإقامة حياة سكانية مستقرة، فالبداوة تعني الترحال وعدم الاستقرار في مكان ثابت طوال العام، إذ تضطر أن تغير مناطق إقامتها من آن لأخر سعيا وراء الغذاء أو الرعي أو التجارة.
3. البداوة سمة من سمات الحياة في البادية، نشأت كرد فعل إيجابي لظروف الحياة فيها.
ولو حاولنا وضع تعريف لظاهرة البداوة لقلنا: إن البداوة هي نمط لحياة مجتمعية، وهي تكيف اجتماعي لظروف البيئة الصعبة والقاهرة التي أحاطت به، وارتكز هذا التكيف على مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والنظم التي مكنته في النهاية من أن يحيا ويستمر في الحياة والعيش.

الصفحات