أنت هنا

قراءة كتاب مسافر بلا حلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مسافر بلا حلم

مسافر بلا حلم

رواية (مسافر بلا حلم)؛ صعدا الدرج الحجري الدائري بصمتٍ إلى غرفتهما. أمسك نك يدها لكنها ظلت تتقدمه بخطوةٍ أو اثنتين. شعرت أن لمسة يده منحتها ارتياحاً كبيراً، وهي تحتاج إلى الراحة في هذا الوقت. شعرت أيضاً أنها أقدمت على أفظع شيء في حياتها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

رمقها نك بنظراته من الأعلى إلى الأسفل، وشعر بموجة حرارة مألوفة فيما رأى رجلها الجميلة تظهر من فُتحة في ثوب استحمامها. سوّت أديل وقفتها وشدّت عقدة الحزام أكثر. قالت: "اتصل بي إلى مكتبي في الأسبوع القادم. أنا في خضمّ الاعداد لمشروع كبير، لكن قد تتسنى لي بضع دقائق نهار الخميس لأراك. أين ستمكث؟"
رفع نك حاجبيه، ثم أجال بصره في الغرفة.
_ لا مجال! لن تبقى هنا.
طرف بعينيه وقال: "هذا مسكني أيضاً"
_ للتصحيح؛ قد يكون هذا منزلك، لكنه لم يعد مسكنك منذ أن انطلقت بسرعة نحو الأطلسي، ولم تزعج نفسك بالعودة لمدة تسعة أشهر.
شبكت أديل ذراعيها ونظرت إليه. الآن ليس الوقت المناسب ليذكرها بأنه عاد ما إن تمكن من ذلك. بعد أسبوعين من العراك العنيف، سافر نك خمسة آلاف ميل ليسوي الأمر معها، لكنه عندما دخل إلى المنزل وجده خالياً. كانت أديل قد انتقلت لتعيش مع صديقتها الحميمة. لا! إنّ تذكيرها بذلك لن يجدي نفعاً، فهي ليست في مزاج مؤات لتواجه أخطاءها في هذه الآونة. في الواقع، لا يعتقد نك أنه يستطيع أن يواجه الذكريات أيضاً، لذا دسها في الجهة الخلفية من دماغه وتجاهل الشعور بالغثيان في معدته.
نزع سترته، وقذفها على أحد الكراسي المحيطة بمائدة الطعام المصنوعة من خشب الصنوبر، وغرق في الأريكة الليّنة الموضوعة في زاوية مطبخها ذي الطراز الريفي. إنه في ورطة كبيرة الآن، فلا داعي لأن يزيد الطين بلة. عليه أن يحاول جهده ليصرف من ذهنها فكرة طرده بقامته التي تبلغ الستة أقدام من الباب الأمامي . قد تكون أديل قصيرة القامة لكنها تتمتع بقوة مدهشة.
_ ماذا عن كوب الشاي؟
أغمضت أديل عينيها وهبطت كتفاها. ربح نك الجولة الأولى، لكنه شعر بالأسى لأنه جعلها تبدو متعبة ومرهقة جداً.
_ حضّره بنفسك. سأصعد إلى الطابق العلوي. إذا كنت تعتقد أنك ستضع الحقيبة التي تركتها في الرواق في غرفة نومي، فيمكنك إعادة التفكير بالأمر. أنت تعرف أين تقع الغرفة الإضافية.
أظهر نك تكشيرة فيما استدارت أديل وصعدت الدرج بخطى قوية. لم يتمكن من معالجة الأمور بشكل جيد، لكن المجادلة سوف تجعل أديل تخبط الأرض بنعليها بحدة أكبر. تعلّم نك منذ زمن بعيد أن حملها على الضحك هو الحل الوحيد.
تتمتع أديل بحسّ الفكاهة، لكنها تبقيه مكبوتاً في داخلها معظم الأحيان. أما ما يبرع به نك فهو حمل زوجته على الضحك. لطالما بدت له إذابة الغلاف الجليدي الذي تختبىء خلفه أديل أمراً رائعاً. فعندما تبدو قوية وهجومية كإحدى السمكات المنتفخة، يأخذ نك في التظاهر بأن التفاهم معه مستحيلاً حتى يرى البريق في عينيها ويلاحظ طريقة تحرك فكها وهي تحاول أن تبقي تعابير وجهها جامدة. ما إن يشعر أن التوقيت مناسب، حتى يرمقها بابتسامة أخيرة ونظرة أخيرة، فتطلق نفخة قوية من الهواء وتحرّر ما في داخلها، لتصبح المرأة الدافئة الشغوفة التي أحبّها كثيراً.
ألقى نك رأسه على وسادة الأريكة وأغمض عينيه. إنه يعرف ما الذي تفكر به أديل: أن زوجها أراد أن يثبت وجهة نظره مرة والى الأبد، إلاّ أن نك لم يَرَ المسألة من هذا الجانب. ظلّت أديل متمسّكة بموقفها ومقتنعة أنّها على حق، فلم تلاحظ أنها هي نفسها رفضت التراجع عن موقفها ولو قليلاً. فهي التي قررت أن يكون زواجهما على المحك. لكل قصة وجهان، إلاّ أنّ أديل ظلت مقتنعة تماماً أن وجهتها هي الأصح. و المزعج في الأمر أنها غالباً ما كانت على حق. بالرغم من ذلك، فهي تخطىء أحياناً. وحين تفعل، فإنها ترتكب خطأً كبيراً.
غيّر نك جلسته ليشعر بالارتياح أكثر. بدا أن تعب السفر أخذ يتملك منه، كما بدت تلك الأريكة مريحة جداً. لاحظ أن سترة إحدى بذلات العمل الخاصة بأديل مثنية ومتدلية على ظهر الأريكة وأن رائحة عطرها الدافئة تفوح منها. إذا ما أغمض عينيه سوف يشعر كأنها جالسة بقربه. لطالما أمضيا أمسيات كثيرة سعيدة متعانقين على هذه الأريكة القديمة بعد انتهاء وجبة المساء. كما مرت أوقات أخرى استخدما فيها هذه الأريكة لنشاطات أقل استرخاء.
ابتسم نك فيما أخذ النعاس يثقل أجفانه... أقل استرخاء، لكن أكثر مرحاً...
أصدر الباب صريراً حين دفعته أديل ليفتح، ثم توقفت قليلاً. بدا الجو هادئاً... هادئاً جداً. بدا نك أشبه بالطفل المشاغب. فحين يكون صامتاً يبدو كأنه يخطّط لشيء ما مشكوك في أمره. تأرجح الباب على مصراعيه ورأته ممداً على الأريكة وهو نائم كالطفل. جعلها هذا المنظر ترغب بالصراخ. كيف يفعل ذلك؟ كيف يمكنه بالرغم من كل التوتر بينهما أن يرقد بسلام ووداعة؟ أمّا هي فلم تشعر بالارتياح البتّة. بدت أعصابها مشدودة كمن شرب عشرة أكواب من القهوة الإيطالية القوية المذاق، أو حتى ضعفي الكمية. نظرت أديل إلى نك مجدّداً وصدرت عنها تنهيدة تلقائية. بدا أشبه بالملاك إذ تمكن من النوم بمثل هذه السرعة. لاحظت أن شعره طويل جداً وليس فيه خصل شاردة، باستثناء بعض الشعرات التي تتدلى على جبينه. في الماضي، عندما كانت تستيقظ في الصباح الباكر كانت تبتسم له وتزيل بلطف الخصل العاصية. كل ما استطاعت فعله في تلك اللحظة هو أن تمنع نفسها من عبور الغرفة والقيام بهذه الحركة نفسها الآن. يجب عليها أن تخرج من هنا الآن، وقبل أن تنسى كل الأسباب التي تمنع نك هيوز أن يحتل ولو جزءاً من قلبها.
التقطت أديل حقيبة يدها عن المنضدة، وأغلقت باب المطبخ. ما هي إلاّ لحظات حتى ارتدت معطفها وشالها وقفازيها وانطلقت خارجة إلى الطريق. بدا طقس منتصف شهر شباط في لندن رطباً وبارداً، وهذه الليلة لم تكن مختلفة على الإطلاق. سرعان ما وجدت نفسها في منزل منى. عندما وصلت حياتها الزوجية المتقلقلة إلى نهاية كارثية، احتاجت إلى اللجوء إلى صديقتها المفضلة. فتحت منى الباب وهي تحمل طفلتها فوق خصرها.

الصفحات