أنت هنا

قراءة كتاب التصميم العظيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التصميم العظيم

التصميم العظيم

كتاب " التصميم العظيم " ، تأليف مجموعة مؤلفين ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 4

الفصل الثاني

سيادة القَانُون

الذِّئبُ سكولهو هو الذي سيُفزِعُ القمرَ
ليطيرَ على خشب المصيبة
والذئبُ هاتي، قريب الذئب فينرير،
هو الذي سيُلاحِقُ الشمسَ.
من الأُسطورة الجرمانية (الزعيم إيدا)
في ميثولوجيا الفايكنج، يُطارد الذئبان "سكول" و"هاتي" القمر والشمس. وعندما يقبض أحد الذئبين على الآخر يحدث الكسوف، وعندئذ يهرع البشر على الأرض لإنقاذ الشمس أو القمر بإصدار أقصى ما يستطيعون من ضوضاء على أملِ إخافة الذئبين. هناك أساطيرُ مشابهةٌ في الثقافات الأخرى. لكن بمرور الوقت، لا بُدَّ وأن لاحظ الناس أنَّ الشمس والقمر سرعان ما يبزغان بعد الكسوف، بغض النظر عن الجري والصراخ وقرع الأشياء. ولا بدَّ أنَّهم قد لاحظوا بمرور الوقت أنَّ الكسوف لا يحدث بشكل عشوائي، بل يحدث وفقًا لترتيب منتظمٍ ومتكرِّر. وكان هذا الترتيب أكثر وضوحًا بالنسبة لخسوف القمر، ممَّا مكَّن البابليُّين القدماء من التنبُّؤ بخسوف القمر بشكل دقيق تمامًا، على الرغم من عدم إدراكهم أنَّ سبب ذلك هو اعتراض الأرض للضوء القادم من الشمس. لقد كان كسوف الشمس أكثر صعوبة في التنبُّؤ، لأنَّه كان يُرَى فقط في نطاق جزء من الأرض باتِّساع ثلاثين ميلًا. وبمجرَّدِ إدراك ذلك، فإنَّ تلك الأشكال قد بيَّنت أنَّ الكسوف لا يعتمد على الأهواء الاعتباطية للكائنات فوق الطبيعية، لكنَّه كان بدلًا من ذلك محكومًا بالقوانين.
الكسوف: لم يعرف القدماء سببَ الكسوف، لكنَّهم لاحظوا أنماطَ حدوثه
بالرغم من النجاحات الأولى للتنبُّؤ بحركة الأجرام الشمسية، إلَّا أنَّ معظم أحداث الطبيعة قد بدا من المستحيل لأسلافنا أن يتنبؤوا بها. فالبراكين والزلازل والعواصف ووباء الطاعون وانغراس الظُّفر في إصبع القدم، كان يبدو أنَّها جميعًا تحدث بلا سبب أو دون ترتيب واضح. ففي العصور القديمة كان من الطبيعيِّ إرجاعُ أفعالِ الطبيعة العنيفة إلى عبث الآلهة، أو سخطها الشديد. وكانت الكوارث تُؤخَذ على أنَّها علامةٌ على إغضابنا للآلهة بشكلٍّ ما. فمنذ حوالَي (5600 عام ق. م) مثلًا ثار بركان جبل مازاما Mount Mazama الموجود بأوريجون(**) Oregon. وقد لفظ هذا البركان الصخور والرماد البركانيّ لسنوات، ممّا أدَّى إلى سقوط الأمطار لعدَّةِ سنواتٍ، حيث امتلأت فعلًا فُوَّهةُ البركان، وصارت تُعرَف حتى اليوم باسم "بُحيرة الفُوَّهة" Crater Lake. ويوجد لدى هنود الكلاماث Klamath Indians في أوريجون أسطورةٌ تتوافقُ بالضبط مع تفاصيل هذا الحدث الجيولوجيِّ، لكنَّها تضيف بعض الدراما بإظهار الإنسان على أنَّه سببُ هذه الكارثة. إنّ استعداد الإنسان لحمل الذَّنْبِ يتمثَّلُ دائمًا في مقدرته على إيجاد طريقة لِلَوم نفسه. وكما تذهب الأسطورة فإنَّ "لاو" Llao سيِّدَ العالَم السفليِّ، قد شغفَ حُبًّا بفتاة جميلة من بني البشر، وهي ابنة زعيم كلاماث التي رفضته بازدراء، فقرَّر "لاو" الانتقام، وحاول تدمير كلاماث بالنَّار. لكن لحُسنِ الحظِّ وبحسب ما تَروي الأسطورة، فإنَّ سكِل Skell سيِّدَ العالَم العُلويِّ، قد وقف إلى جانب البشر ودخل في معركة مع غريمه من العالم السفليِّ. وفعلًا، سقط "لاو" جريحًا ليعود إلى داخل جبل مازاما، مخلِّفًا وراءه حفرةً هائلةً، وهي الفُوَّهةُ التي امتلأت فعليًّا بالماء.
إنَّ الجهل بطرق الطبيعة قاد الناس في العصور القديمة لابتكار الآلهة التي تتحكَّم في كلِّ مناحي الحياة البشرية. فكانت هناك آلهةٌ للحُبِّ وللحرب، وللشمس، وللسماء، وللمحيطات، وللأنهار، وللأمطار، وللأعاصير، وحتَّى للزلازل وللبراكين. وعندما ترضى الآلهة، كان الإنسان يتمتَّع بصفاء الجوّ وبالسلام ويتخلَّص من الأمراض والكوارث الطبيعية. وعندما تغضب، كان يأتي الجفاف والحرب والطاعون والأوبئة. ولمَّا كانت الصلةُ بين العلَّة والأثر في الطبيعة غيرَ واضحة، فقد بدت تلك الآلهة غامضةً، وكان البَشرُ تحت رحمتها. لكن بمجيء طاليس من مدينة ميليتوس(***) Thales of Miletus (624 - 546 ق م) منذ حوالَي 2600 عام، بدأت تلك الفكرةُ في التبدُّل، ونشأت فكرة أنَّ الطبيعة تتبع قواعدَ متماسكةً يمكن حلُّ شفرتِها. وبدأت بالتالي عمليةٌ طويلةٌ لإحلال فكرة سيطرة الآلهة بمفهوم الكون المحكوم بقوانين الطبيعة، وأنَّ هذا الكون قد خُلقَ وَفقًا لمُخطَّطٍ يمكننا تعلُّم قراءتِه ذاتَ يوم.
وبإلقاء نظرة على التسلسل الزمنيِّ للتاريخ البشريِّ، سنرى أنَّ التساؤلَ العلميَّ يُعدُّ محاولةً حديثةً جدًّا. فقـد نشـأ نوعُنا "الهوموسابينس" Homo sapiens في إفريقيا جنوب الصحراء حوالي (200,000 سنة ق م). ويعود تاريخ اللغات المكتوبة إلى حوالَي 7000 سنة فقط، كمنتج للمجتمعات التي تركَّزت حول زراعة المحاصيل. (بعض أقدم النقوش المكتوبة تتعلَّق بحصّة البيرة التي كان يُسمح بها يوميًّا لكلِّ فرد). ويعود تاريخ أوَّل سجلات مكتوبة إلى الحضارة اليونانية القديمة العظيمة في القرن التاسع قبل الميلاد. لكنَّ أوجَ هذه الحضارة وهي "الفترة الكلاسيكية" كان بعد ذلك بعدَّة مئاتٍ من السنوات، إذ بدأت قبل 500 عام من الميلاد بقليل. وطبقًا لأرسطو Aristotle (384 ـ 322 ق م) فقد طوَّر طاليس بحدود هذا الوقت لأوّل مرّة فكرةَ أنَّ العالم يمكن فَهمُه، وأنَّ الأحداثَ المُعقَّدةَ التي تجري حولنا يمكن اختزالُها إلى مبادئَ أبسط، ويمكن شرحُها دون اللجوء الى التفسيرات الخرافية والأسطورية.

الصفحات