أنت هنا

قراءة كتاب التصميم العظيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التصميم العظيم

التصميم العظيم

كتاب " التصميم العظيم " ، تأليف مجموعة مؤلفين ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 5

ويُنسب إلى طاليس قيامه بأوّل تنبُّؤٍ بالكسوف الشمسيِّ في عام (585 ق م)، مع أنَّ دقَّة تنبُّؤه الكبيرة كانت في الغالب تخمينًا سعيد الحظِّ. لقد كان طاليس شخصية طيفيّة، فلم يترك وراءه أيّة كتابات تخصُّه، وكان بيته موجودا في المركز الثقافي بمنطقة أيونيا Ionia التي كان يحتلُّها اليونانيُّون، وقد امتدَّ أثرُها ليصل من تركيا حتَّى إيطاليا في أقصى الغرب. كان العلم الأيُّوني محاولة تميَّزت بالاهتمام الشديد بإماطة اللثام عن القوانين الأساسية التي تحكم الظواهر الطبيعية، كما شكَّلت مَعلمًا هامًّا ورائعًا في تاريخ الفكر البشري. لقد كانت مقارباتهم ذهنية، وأدَّت في عدَّة حالات إلى استخلاصات تشبه بشكل مُدهش ما أدَّت إليه أكثر الطرق التي نؤمن بها اليوم تعقيدًا. لقد مثلت بداية عظيمة، لكن على مدار قرون كان يتم نسيان أغلب العلم الأيُّونيِّ، ليعاد اكتشافه أو اختراعه أكثر من مرّة في بعض الأحيان.
ووَفقًا للأسطورة، فإنَّ أوّلَ صيغةٍ رياضية لما نُسمِّيه اليوم "قانون الطبيعة" يعود تاريخُها لرجل أيُّونيٍّ يُسمَّى فيثاغورث Pythagoras (085 ـ 490 ق م)، الذي اشتُهر بنظرية رياضية سُمِّيت على اسمه: والتي تقول إنَّ مربَّعَ الوتر (الضلع الأطول) في المثلث قائمِ الزاوية يساوي مجموع مربَّعَي الضلعين الآخرين. ويقال إنَّ فيثاغور س قد
أيونيا: كان الباحثون في أيونيا القديمة ضمن أوائل مَن فسَّر الظواهر الطبيعيةَ من خلال قوانين الطبيعة بدلًا من الأسطورة واللاهوت
اكتشف العلاقة الرقمية بين طول الأوتار المستخدَمة في الآلات الموسيقية والخليط الهارموني للأصوات الناتجة عنها. وبلُغةِ اليوم يمكنُنا وصف تلك العلاقة بالقول: إنَّ تردُّدَ الوتر "أي عدد الاهتزازات في الثانية الواحدة" الذي يهتزُّ بقوَّة شدٍّ ثابتة يتناسبُ عكسيًّا مع طوله. ومن وجهة النظر العملية، فإنَّ هذا يفسِّر لماذا ينبغي أن يكون للجيتار الجهير أوتارٌ أطول من الجيتار العادي. ربَّما لم يكتشف فيثاغورث ذلك فعليًّا ـ وهو أيضًا لم يكتشف النظرية الرياضية المسمَّاة باسمه ـ لكنَّ هناك دليلًا على وجود علاقة ما كانت معروفة في تلك الأيَّام بين طول الوتر، وبين النغمة التي تصدر عنه. فإذا كان الأمر كذلك، يمكن للمرء أن يُسمِّيَ تلك الصيغة الرياضية البسيطة أول نموذج لما نعرفه الآن بالفيزياء النظرية.
بعيدًا عن قانون الأوتار لفيثاغورث، فإنَّ القوانينَ الفيزيائيةَ الوحيدةَ التي عرفها القدماء بشكل صحيح كانت ثلاثة قوانين، وقد ذكرها بالتفصيل أرشميدس Archimedes (782 ـ 212 ق.م) الذي يُعَدُّ إلى حدٍّ بعيدٍ أبرزَ علماءِ الفيزياء في العصر القديم. وبمصطلحات اليوم، فإنَّ قانون الروافع يشرح كيف يمكن للقوَّة الصغيرة أن ترفع أوزانًا كبيرة، لأنَّ الرافعة تعمل على تكبير القوَّة حسب نسبة المسافة من محور ارتكاز الرافعة. وينصُّ قانون الطَّفوِ على أنَّ أيَّ جسمٍ مغمورٍ في سائل سيُلاقي قوَّةً مضادَّةً تعمل لأعلى وتساوي وزنَ السائل المزاح. كما أكَّد قانون الانعكاس على أنَّ الزاوية الواقعة بين شعاع الضوء، وبين المرآة تكون مساويةً للزاوية الواقعة بين المرآة والشعاع المنعكس. لكنَّ أرشميدس لم يُسَمِّ كل هذا بالقوانين، كما لم يقم بشرحها مدعومة بمرجعية من الملاحظة والقياس. وبدلًا من ذلك تعامل معها كما لو أنَّها كانت نظريَّاتٍ رياضيةً صرفة، في نظام بدهيٍّ يشبه كثيرًا ذلك الذي ابتكره إقليدس Euclid في الهندسة.
وبينما كان ينتشر النفوذ الأيُّونيُّ، ظهر آخرون يرون أنَّ الكونَ لديه نظامٌ داخليٌّ، نظامٌ يمكن فَهمه من خلال الملاحظة والتفسير. وقد جادل آناكسيماندر Anaximander (016 ـ 546 ق. م) صديق طاليس وربَّما تلميذه، بأنَّ طفل الإنسان يكون ضعيفًا ولا حولَ له أو قوَّةَ عند لحظة ولادته، فإذا ظهر أوّل إنسان على الأرض كطفلٍ بطريقةٍ ما، فلن يُكتبَ له البقاءُ على قيد الحياة، فيما يمكن اعتباره أوّلَ معرفة محدودة للإنسان بموضوع التطوُّر. لذلك فإنَّ البشرَ، كما علَّل آناكسيماندر، لا بُدَّ وأن يكونوا قد تطوَّروا من حيوانات كانت صغارها أقوى. وفي صقِلِّية، لاحظ إمبيدوقليس Empedocles (094 ـ 430 ق.م) الطريقة التي تُستعمل بها آلة الكليبسيدرا clepsydra والتي كانت تُستخدم كمغرفة أحيانًا، فكانت تتكوَّن من كرةٍ ذاتِ عنقٍ زجاجيٍّ مفتوحٍ وثقوب صغيرة في قاعها، وتمتلئ آلة الكليبسيدرا عند غمرها في الماء، لكن إذا تمَّ تغطية عنقها الزجاجيّ، فستبقى آلة الكليبسيدرا من دون أن يتساقط الماء من الثقوب. كما لاحظ إمبيدوقليس أنَّها لا تمتلئ بالماء لو تمَّ تغطية عنقها الزجاجي قبيل غمرها في الماء. وقد فسَّر ذلك بوجود شيء غيرِ مرئيٍّ، يوجب الحيلولة دون دخول الماء للكرة من خلال الثقوب، لقد اكتشف المادّة الأساسية التي نسمِّيها "الهواء".
في غضون هذا الوقت قام ديموقريطس Democritus (064 ـ 370 ق م) من المستعمرة الأيُّونية بشمال اليونان، بالتفكير مليًّا في ما يحدث عند تكسير أو تقطيع شيءٍ ما إلى قِطع. وجادل بأنَّه لا يمكنك الاستمرار في هذه العملية إلى ما لانهاية، وافترض بدلًا من ذلك أنَّ كلَّ شيء، بما في ذلك جميع الكائنات الحيّة، مصنوعٌ من جسيمات أساسية لا يمكن تقطيعُها أو تكسيرها إلى أجزاء. وقد سمَّى تلك الجسيمات المتناهية بالذرَّات، وهي صفة باللغة اليونانية معناها (غير قابل للتقطيع). وقد اعتقد ديموقريطس أنَّ كلَّ ظاهرة مادِّية هي نتاج لتصادم الذرَّات. ووفقًا لرؤيته التي يطلق عليها المذهب الذرِّي atomism، فإنَّ كلَّ الذرَّات تتحرَّك حول نفسها في الفراغ، وإذا لم يتمّ إزعاجها، فإنَّها ستظلّ تتحرَّك لأجل غير مسمَّى. وتُسمَّى هذه الفكرة اليوم بقانون القصور الذاتيِّ.

الصفحات